الرئيس تبون: الجزائر تدخل مرحلة العصرنة الشاملة عام 2026
أكد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، أن الجزائر تستعد لدخول مرحلة مفصلية في تاريخها مع حلول عام 2026، حيث ستشهد البلاد عملية عصرنة إلكترونية شاملة تمتد إلى جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش الوطني الشعبي.
هذا التحول، كما أوضح الرئيس، ليس مجرد تحديث تقني، بل هو مشروع استراتيجي يهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية والاقتصادية للجزائر وإرساء أسس دولة عصرية تعتمد على التكنولوجيا والرقمنة كركيزة للسيادة الوطنية. وقد شدد في كلمته أمام إطارات ومستخدمي الجيش الوطني الشعبي على أن القوة الاقتصادية والعسكرية وجهان لعملة واحدة، إذ لا يمكن لأي دولة أن تحافظ على استقلالية قرارها السياسي دون امتلاك اقتصاد قوي يسانده جيش متطور قادر على حماية المكتسبات الوطنية.
الرئيس تبون، من خلال خطابه، أراد أن يبعث برسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج. داخلياً، وجه خطابه للمؤسسة العسكرية التي اعتبرها الدعامة الأساسية لاستقرار الدولة، مثمناً تضحياتها واحترافيتها العالية في أداء مهامها الدفاعية والأمنية، ومؤكداً أنها شريك محوري في مسار بناء الجزائر الجديدة. أما خارجياً، فقد أراد أن يظهر صورة الجزائر كدولة صاعدة وقادرة على فرض نفسها إقليمياً بفضل توازنها بين التنمية الاقتصادية والتطور العسكري. كما نوه بالإنجازات التي تحققت مؤخراً على الصعيدين الوطني والدولي، من بينها النجاح الباهر لمعرض التجارة البينية الإفريقية الذي احتضنته الجزائر، والذي عده دليلاً على المكانة التي بدأت الجزائر تسترجعها كفاعل اقتصادي مؤثر في القارة الإفريقية، وسعياً صادقاً نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الإفريقي.
وفي معرض حديثه عن الجيش الوطني الشعبي، أشار الرئيس إلى المستوى العالي من الاحترافية الذي بلغه الجيش والمكانة التي يحظى بها إقليمياً ودولياً، مؤكداً أنه أصبح مهاب الجانب بعد أن تأقلم مع أنماط الحروب الحديثة، بما فيها الحروب السيبرانية والهجينة، واستوعب أدوات الذكاء الاصطناعي في منظومته الدفاعية. هذا التوصيف يعكس رؤية واضحة لتحديث الجيش وجعله مؤسسة متكاملة تجمع بين القوة المادية والذكاء التكنولوجي، مما يجعلها أداة مركزية في حماية السيادة الوطنية، وركيزة في عملية التنمية من خلال مساهمتها في الصناعة العسكرية التي أصبحت بدورها داعماً مهماً للاقتصاد الوطني.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد قدم رئيس الجمهورية عرضاً مفصلاً لحالة الاقتصاد الجزائري، مشيراً إلى أنه يحقق تقدماً ملحوظاً رغم التحديات الداخلية والخارجية. فقد كشف عن وجود أكثر من 17 ألف مشروع استثماري قيد الدراسة على مستوى الشباك الموحد، الذي وصفه بأنه أداة فعالة في محاربة البيروقراطية والرشوة. وأكد أن الجزائر أصبحت محط إشادة المؤسسات المالية الدولية بعدما تمكنت من تسجيل أعلى نسبة نمو في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وصنفت كثالث اقتصاد إفريقي حسب البنك العالمي. كما أشار إلى قرب تحول الجزائر إلى دولة منتجة ومصدرة للفوسفاط بطاقة إنتاجية تبلغ 10 ملايين طن سنوياً، مع التزامه برفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 13% على الأقل.
الخطاب حمل كذلك بُعداً اجتماعياً وإنسانياً واضحاً، إذ أكد الرئيس تمسك الدولة بطابعها الاجتماعي رغم الضغوط المالية المتزايدة، مع وعده بمواصلة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين عبر زيادات جديدة في الأجور والمنح. كما شدد على أهمية إشراك الشباب في التنمية من خلال تشجيع إنشاء المؤسسات الناشئة، مستهدفاً بلوغ 20 ألف مؤسسة ناشئة في المستقبل القريب. وقد جاء ذلك في سياق تأكيده على أن التنمية الحقيقية هي التي يشعر بها المواطن في حياته اليومية، من خلال فرص العمل والسكن وتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في المواد الأساسية.
من جهة أخرى، لم يغفل الرئيس الحديث عن معركة الدولة ضد الفساد، مبرزاً أن الجزائر تمكنت من استرجاع ما يقارب 30 مليار دولار من الأموال والعقارات المنهوبة خلال فترة ما وصفه بـ”زمن العصابة”، في إشارة إلى مرحلة الفساد التي سبقت إصلاحاته. هذا التصريح يعكس إرادة سياسية واضحة في محاربة الفساد واسترجاع هيبة الدولة، ويأتي في إطار بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم. كما شدد على الدور الحاسم الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في التصدي لآفة المخدرات التي تستهدف النسيج الاجتماعي الجزائري، خاصة فئة الشباب، معتبراً ذلك شكلاً جديداً من أشكال الحروب الموجهة لضرب استقرار الدول.
وفي البعد الاستراتيجي والاستشرافي، تحدث الرئيس تبون عن تحديات المستقبل، مشيراً إلى أن الجزائر ستصل إلى 50 مليون نسمة في غضون ثلاث سنوات، ما يستدعي خلق ثروات جديدة وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. كما أكد أن الأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما الجزائر هما من أهم العوامل التي تعزز جاذبية الاستثمار وتجعل البلاد قبلة للمستثمرين الأجانب.
أما في الشأن الخارجي، فقد عكست تصريحات الرئيس تبون حرص الجزائر على اتباع سياسة خارجية متوازنة ومستقلة. فقد شدد على أن الحدود الوطنية مؤمنة بفضل يقظة الجيش الوطني الشعبي، مع التأكيد على أن العلاقات مع دول الساحل لم تصل إلى مرحلة القطيعة، بل تتطلب وعياً ومسؤولية في التعامل مع الجوار بما يحفظ المصالح المشتركة. وبخصوص الأزمة الليبية، جدّد الرئيس موقف الجزائر الثابت الرافض لأي تدخل أجنبي، داعياً إلى التمسك بوحدة ليبيا وتنظيم انتخابات وطنية كسبيل وحيد لحل الأزمة.
كما تطرق الرئيس إلى القضية الفلسطينية، مؤكداً أن الجزائر أصبحت اليوم صوتاً قوياً ومدافعاً شرساً عنها في مجلس الأمن، مجدداً التمسك بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف. أما في ما يخص الصحراء الغربية، فقد أكد أن الجزائر لن تتخلى عن دعم الشعب الصحراوي في كفاحه من أجل تقرير مصيره وفق قرارات الأمم المتحدة. وفي سياق العلاقات الإقليمية، أشار إلى متانة العلاقات مع تونس، معبّراً عن ثقته في تجاوزها للظرف الاقتصادي الصعب، وأشاد بعلاقات الجزائر الجيدة مع دول الخليج العربي، باستثناء دولة واحدة، مؤكداً رفض الجزائر القاطع لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.
من خلال مجمل خطابه، يمكن القول إن رئيس الجمهورية أراد أن يرسم ملامح مرحلة جديدة في تاريخ الجزائر، تقوم على ثلاث ركائز رئيسية: التحديث التكنولوجي، والنهضة الاقتصادية، والتمسك بالسيادة الوطنية. خطابه كان مزيجاً من الواقعية والطموح، يعكس وعياً بالتحولات الدولية وإدراكاً بأن بناء الجزائر الجديدة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر توازن بين الداخل المستقر والخارج المتفاعل بذكاء. إنها رؤية لدولة تسعى لأن تكون قوية من الداخل، فاعلة في محيطها، ومؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …