الرئيس تبون يترأس حفل تقليد الرتب وإسداء الأوسمة
ترأس رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، مساء اليوم، بقصر الشعب، مراسم الحفل السنوي لتقليد الرتب وإسداء الأوسمة، بحضور كبار قادة الجيش الوطني الشعبي وعدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين. يأتي هذا التقليد السنوي تزامنًا مع إحياء الجزائر للذكرى الثالثة والستين لاسترجاع السيادة الوطنية، وهو ما يضفي على الحدث أبعادًا رمزية ووطنية متعددة تتجاوز الطابع البروتوكولي.
في مستهل المراسم، تم الإعلان عن سلسلة من الترقيات التي مست مختلف فئات الإطارات العسكرية، في مقدّمتها ترقية اللواء مصطفى سماعلي، قائد القوات البرية، إلى رتبة فريق، إلى جانب ترقية عدد من العمداء إلى رتبة لواء، وعدد من العقداء إلى رتبة عميد. كما تم إسداء أوسمة استحقاق لضباط سامين ومستخدمين مدنيين، اعترافًا بعطائهم المهني والتزامهم الوطني.
هذه الترقيات، وإن كانت من صميم التنظيم العسكري، إلا أنها تحمل هذا العام بعدًا أعمق؛ فهي تأتي في سياق داخلي وإقليمي حافل بالتحديات الأمنية والسياسية. ومن ثم، فإنها تمثل رسالة دعم وتحفيز للكوادر العسكرية، وتجديدًا للثقة في مؤسسة الجيش كركيزة للاستقرار وضمان للسيادة.
ألقى الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، كلمة مؤثرة عبّر فيها عن بالغ الامتنان لرئيس الجمهورية على إشرافه المباشر على الحفل، وهو ما اعتبره دليلاً على “الرعاية السامية التي يوليها القائد الأعلى للقوات المسلحة لأفراد الجيش الوطني الشعبي، بكل فئاته”.
في كلمته، ربط شنقريحة بين تقليد الرتب وبين الإطار الوطني الأوسع للاحتفال بعيد الاستقلال، مؤكدًا أن “تنظيم هذا الحفل في هذه المناسبة المجيدة يعكس روح الوفاء لتضحيات الشهداء، ويعزز في نفوس العسكريين مشاعر الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى جيش الشعب”. كما نوّه بالدور المتزايد للجيش الوطني الشعبي في حماية البلاد، ودعمه للاستقرار السياسي والاجتماعي، معتبرًا أن “هذا التقليد السنوي هو حافز إضافي لبذل مزيد من الجهود والارتقاء بالمؤسسة العسكرية نحو المزيد من الاحترافية والجاهزية”.
من الناحية السياسية، لا يمكن فصل توقيت الحفل عن رمزيته الأعمق. فالاحتفال يأتي في لحظة تاريخية تسترجع فيها الجزائر معاني الحرية والسيادة، التي كُرّست بدماء الشهداء ومعاناة الشعب. وفي هذه الذكرى، يصبح تقليد الرتب وإسداء الأوسمة أكثر من مجرد مناسبة إدارية؛ بل هو تكريس عملي لمفهوم الدولة التي تكرّم أبناءها وتُعلي من قيمة الخدمة الوطنية.
كما أن حضور رئيس الجمهورية الشخصي للحفل، وتوجيهه لرسائل مباشرة وغير مباشرة عبر هذا الفعل الرمزي، يعيد التأكيد على مركزية الجيش في المشروع الوطني. فمنذ توليه الرئاسة، حرص الرئيس تبون على تعزيز العلاقة بين مؤسسات الدولة ومؤسسة الجيش، في إطار رؤية متوازنة تقوم على “الاحترام المتبادل والتكامل في خدمة الوطن”، كما صرح بذلك في مناسبات سابقة.
الترقيات المعلنة خلال الحفل تعكس أيضًا رؤية استراتيجية لتجديد الكوادر وضمان الاستمرارية داخل الهرم القيادي للجيش الوطني الشعبي. فالاعتماد على الإطارات الشابة، وتكريس مبدأ الجدارة، يمثلان ركيزتين أساسيتين في الإصلاحات الهيكلية التي يعرفها الجيش خلال السنوات الأخيرة.
ومن هنا، فإن هذا الحفل لم يكن فقط مناسبة للاحتفاء بالرموز، بل كان أيضًا بمثابة إعلان ضمني عن تجديد دماء المؤسسة العسكرية، بما ينسجم مع التحولات التي تعرفها البلاد، والتي تستوجب جهازًا دفاعيًا مرنًا ومؤهلًا لمواجهة التحديات الجديدة، سواء الأمنية أو التكنولوجية أو الجيوسياسية.
في كلمته، لم يفوت الفريق أول شنقريحة أن يذكّر بأن هذه المراسم تُنظم في غمرة الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال، معتبرًا أن ذلك “يبعث في النفوس مشاعر الفخر والاعتزاز، ويستحضر تضحيات الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون من أجل حرية الجزائر”.
إن هذا الربط بين التكريم العسكري والذاكرة الوطنية ليس عابرًا، بل هو جزء من البنية الرمزية للجيش الوطني الشعبي، الذي يرى في نفسه امتدادًا لجيش التحرير الوطني. وبالتالي، فإن كل تكريم، وكل ترقية، هو في جوهره وفاء لذلك العهد الذي قُطع منذ 1962، وإصرار على مواصلة المسيرة.
يأتي الحفل السنوي لتقليد الرتب وإسداء الأوسمة هذا العام في ظروف وطنية ودولية معقدة، حيث تواجه الجزائر تحولات اقتصادية وإقليمية حساسة. وفي هذا السياق، تبدو هذه المراسم أكثر من مجرد تقليد عسكري؛ إنها رسالة سياسية ومؤسساتية تؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها، وأن الجهود المخلصة تجد دائمًا من يثمّنها ويكافئها.
إن المؤسسة العسكرية، بقيادتها ومرتكزاتها، تبقى صمام الأمان للدولة، وتظل وفية لمبادئ نوفمبر، عاملة على تجسيدها في واقع جزائري يتطلع إلى غدٍ أكثر استقرارًا وازدهارًا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…