‫الرئيسية‬ الأولى الرئيس تبون يجدد العهد مع أبناء الوطن في المهجر في ذكرى 17 أكتوبر
الأولى - الوطني - ‫‫‫‏‫9 ساعات مضت‬

الرئيس تبون يجدد العهد مع أبناء الوطن في المهجر في ذكرى 17 أكتوبر

الرئيس تبون يجدد العهد مع أبناء الوطن في المهجر في ذكرى 17 أكتوبر
تحمل رسالة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمناسبة اليوم الوطني للهجرة، طابعًا وطنيًا عميقًا يتجاوز حدود التذكير بالتاريخ إلى استحضار روح التضحية التي وسمت مسيرة الجزائريين داخل الوطن وخارجه. فاليوم الوطني للهجرة، الموافق للسابع عشر من أكتوبر، ليس مجرد محطة رمزية في الرزنامة الوطنية، بل هو شاهد خالد على صفحة دامية من التاريخ الاستعماري الفرنسي، وعلى الوجه الإنساني المشرق للمهاجر الجزائري الذي ظل، رغم الغربة والقهر، وفياً لوطنه، متشبثًا بانتمائه، ومخلصًا لقضيته العادلة.

في رسالته، أعاد الرئيس تبون صياغة الذاكرة في قالبها الحقيقي، حين وصف مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بأنها لحظة مفصلية في مسار الثورة الجزائرية، وامتداد طبيعي لملحمة التحرير الكبرى. فقد كانت الثورة – كما أشار – بعد سبع سنوات من الكفاح المسلح، قد تحولت إلى ملحمة تحررية جذبت أنظار العالم، وألهمت شعوبًا كثيرة كانت ترزح تحت الاستعمار. ومن هنا، فإن خروج المهاجرين الجزائريين في باريس في تلك الليلة المشهودة لم يكن مجرد احتجاج عابر ضد التمييز، بل كان تعبيرًا واضحًا عن التحام الجالية بالثورة الأم في الداخل، وعن وحدة الهدف والمصير بين الجزائريين جميعًا مهما كانت أماكن تواجدهم.

ولم يغفل الرئيس، في رسالته، عن التذكير بوحشية القمع الذي مورس على المتظاهرين السلميين آنذاك. فقد أعاد إلى الأذهان الجرائم التي ارتكبتها شرطة باريس تحت إمرة المحافظ موريس بابون، حين أُطلقت يدها لتعيث قمعًا ودمًا في الشوارع، وتنتهي المظاهرات بمجزرة بشعة أُلقي فيها العشرات من المتظاهرين الجزائريين في نهر السين، بينما نُقل المئات إلى مراكز الاحتجاز وتعرضوا للتعذيب والتنكيل. وقد وصف الرئيس تبون تلك اللحظة التاريخية بأنها “هستيريا استعمارية”، تكشف إلى أي حد فقد الاستعمار الفرنسي توازنه أمام عدالة القضية الجزائرية وشرعية كفاح شعبها.

ما يميز هذه الرسالة أنها لم تقف عند سرد التاريخ، بل انطلقت منه نحو الحاضر، في نظرة تستشرف المستقبل وتربط بين أجيال الأمس واليوم. فقد وجّه رئيس الجمهورية تحية تقدير لأبناء الجالية الجزائرية المنتشرة في كل أنحاء العالم، معتبرًا أنهم يواصلون رسالة أسلافهم، لكن هذه المرة بأدوات جديدة: المشاركة في البناء الوطني، المساهمة في التحول الاقتصادي، والانخراط في مسار التجديد الوطني. فالمهاجر الجزائري، الذي كان بالأمس يحمل لافتة الثورة، يحمل اليوم مشروع الوطن في قلبه، ويجسد بإبداعه وكفاءته صورة الجزائر الحديثة.

وفي عمق هذه الرسالة، يبرز خطاب وطني صادق يؤكد على أن الجزائر، وهي تستعيد ذكرياتها الكبرى، لا تفعل ذلك لمجرد تخليد الماضي، بل لتثبيت الجذور التي تنبع منها إرادتها في الحاضر. فدماء الشهداء الذين سقطوا في باريس عام 1961، ودموع أمهاتهم التي امتزجت بماء السين، ليست مجرد ذكرى، بل عهد وطني متجدد بأن الحرية التي انتُزعت لن تُفرط فيها الأجيال المقبلة، وأن الجزائر، التي وُلدت من رحم التضحية، تظل وفية لتاريخها مهما تبدلت الظروف.

لقد أعاد الرئيس تبون في رسالته الاعتبار الرمزي للمهاجر الجزائري، ليس فقط كفاعل اقتصادي أو كرافد مالي عبر تحويلاته، بل كامتداد للروح الوطنية التي لم تغب يومًا عن وعي الجالية. فالتحية التي وجهها إليهم لم تكن مجاملة بروتوكولية، بل تأكيدًا على دورهم الحقيقي في ديناميكية التحول الاقتصادي الوطني. فالكفاءات الجزائرية في الخارج اليوم، كما أشار، جزء لا يتجزأ من مسار بناء الدولة العصرية، القوية بتماسكها وانفتاحها على أبنائها في الداخل والخارج.

إن تكرار الرئيس لعبارة “تحيا الجزائر” في ختام رسالته، لم يكن مجرد شعار وطني، بل تجسيد لشعور عميق بالانتماء والاعتزاز، ودعوة صريحة لتجديد العهد مع الوطن، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى كل سواعد أبنائها، أينما كانوا، للمساهمة في بناء مستقبلها. فكما التحم المهاجرون بثورتهم بالأمس، يُطلب منهم اليوم أن يواصلوا الوفاء لوطنهم في مرحلة البناء والتشييد، بنفس الإخلاص والإيمان اللذين تحلوا بهما أجدادهم في معركة التحرير.

إن اليوم الوطني للهجرة، كما أبرزه الرئيس تبون في رسالته، ليس مجرد مناسبة للبكاء على الماضي أو تكرار المآسي، بل هو موعد سنوي لاستنهاض الذاكرة الجماعية وتأكيد وحدة الأمة عبر الزمان والمكان. إنه جسر بين التاريخ والمستقبل، بين المهاجر الذي رفع صوته في باريس عام 1961 دفاعًا عن وطنه، والشاب الجزائري اليوم الذي يرفع راية بلده في مختبر علمي أو محفل دولي. فالروح واحدة، والرسالة واحدة: الجزائر فوق كل اعتبار.

وفي ختام الرسالة، جاء الدعاء بالرحمة للشهداء والمناضلين الوطنيين الذين توفاهم الأجل في ديار الغربة، ليذكّر بأن طريق الحرية لم يكن مفروشًا بالورود، وأن نهر السين ما زال شاهدًا على مأساة شعب أراد الحياة فصنعها بتضحياته. “المجد والخلود لشهدائنا الأبرار” لم تكن مجرد عبارة رسمية في نهاية خطاب، بل خلاصة وجدان أمة لم تنس شهداءها ولم تتخلّ عن مبادئها.

إن رسالة رئيس الجمهورية في هذا اليوم الوطني تضعنا جميعًا أمام مسؤولية الذاكرة، وتدفعنا إلى التفكير العميق في معنى الانتماء، في زمن أصبحت فيه الهجرة تجربة إنسانية معقدة. إنها تذكير بأن الانتماء لا يقاس بالمسافة، بل بالإخلاص للوطن، وأن الجزائري، حيثما كان، يبقى جزءًا من هذا النسيج الوطني الذي نسجته دماء الشهداء، وصمد عبر العصور رغم كل التحديات. وهكذا، جاءت رسالة الرئيس تبون لتجدد العهد بين الدولة وأبنائها في الداخل والخارج، ولتؤكد أن الجزائر، وهي تكرم أبناءها المهاجرين في يومهم الوطني، إنما تكرم فيهم روح الوطنية الصادقة التي لا تعرف حدودًا، وتكرم فيهم ذاكرة شعبٍ اختار أن يخلّد مآسيه ليصنع منها قوة، وأن يحوّل جراحه إلى عزيمة لبناء المستقبل.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

سيفي غريب.. من الميدان تُكتب النهضة

بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في المشهد الوطني، منذ أن تقلّد الوزير الأول سيفي غريب مهامه ع…