الصين تقرر الوقوف في وجه أمريكا حتى النهاية
“الغرب كما عرفناه قد انتهى”، هكذا وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الوضع الراهن بعد الأزمة العميقة التي تمر بها العلاقات الأوروبية الأمريكية.
هذه الأزمة تُعد غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وضمن هذا السياق، بدأت فون دير لاين البحث عن شركاء جدد للاتحاد الأوروبي، بعد سلسلة الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الأوروبيين. وكان لافتًا أنها تحادثت مع رئيس الوزراء الصيني، وكذلك مع كندا، التي تُعد من أكثر الدول تضررًا من سياسات ترامب.
من جانبها، أعلنت الصين بشكل صريح أنها ستواجه الولايات المتحدة حتى النهاية. في المقابل، صرّح البيت الأبيض أن ترامب ينتظر اتصالًا هاتفيًا من الصين، وهو ما خلق أزمة بروتوكولية. وردّت بكين بتصعيد المواجهة، وبدأت في تكثيف جهودها لبناء تحالفات اقتصادية إقليمية بديلة، خاصة في آسيا، حيث زار الرئيس الصيني عددًا من الدول لتعزيز مشروع سوق إقليمية يمكن أن تعوّض السوق الأمريكية، التي تُعتبر – حسب المؤشرات – خاسرة إلى الأبد، بالنظر إلى مخاطر عدم الاستقرار السياسي التي عرفتها الصين خلال ولاية ترامب الأولى.
الصين كانت قد استعدت منذ سنوات لهذه المواجهة، ووضعت سيناريوهات متعددة لتقليل اعتمادها على الأسواق الأمريكية. من أولى خطوات التحضير، بناء سوق داخلية ضخمة تستوعب الإنتاج المحلي، بالاعتماد على طبقة متوسطة تُقدّر بأكثر من 550 مليون مستهلك. كما أطلقت مشاريع لتصنيع الطائرات المدنية، بهدف تلبية حاجات شركات الطيران الصينية والاستغناء عن طائرات “بوينغ” الأمريكية.
في قطاع التكنولوجيا، شرعت الصين في إنشاء مصانع لإنتاج الشرائح الإلكترونية محليًا، بعد أن منعت الولايات المتحدة هولندا من بيع آلات طباعة الرقائق المتقدمة لبكين، في إطار الحرب على صناعة أشباه الموصلات. ورغم أن الرقائق المصنعة في الصين وروسيا لا تزال بدائية نسبيًا، إلا أنها تُعد خطوة استراتيجية نحو الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدقيقة، وخاصة العسكرية.
على المستوى المالي، أطلقت الصين نظامًا خاصًا للدفع الإلكتروني، وعممته على 36 دولة كبديل لنظام SWIFT الأمريكي. كما عززت تجارتها داخل مجموعة “بريكس” بالعملات الوطنية، وتقدمت في توقيع عقود طاقوية مهمة مع أستراليا لشراء الغاز الطبيعي، ومع كندا لشراء النفط الذي كان يوجّه إلى الولايات المتحدة.
الصين استفادت بهدوء من حرب أوكرانيا، ومن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، لتوسيع نفوذها الاقتصادي وتحقيق مكاسب استراتيجية. وإذا تمكنت من ربط شراكات قوية مع بعض دول الاتحاد الأوروبي المتضررة من سياسة ترامب، فإنها قد تنجح في عزل الولايات المتحدة، والتخلص نهائيًا من الضغوط السياسية الأمريكية، مما يسمح لها بالتفاوض من موقع قوة مستقبلًا.
في الوقت نفسه، بدأت العقوبات الصينية المضادة تؤثر بوضوح على الاقتصاد الأمريكي، خاصة في قطاعات الفلاحة، البنوك، وبعض الصناعات الحيوية. وأصبح البيت الأبيض يتلقى تحذيرات متزايدة بشأن خطر دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، خصوصًا إذا قررت الصين التخلص من سندات الخزينة الأمريكية التي تمتلك منها ما يقارب 800 مليار دولار، وهو ما قد يُحدث أزمة خانقة للدولار، ويؤدي إلى انسحاب المستثمرين من السوق الأمريكية.
الحرب التجارية التي أطلقها ترامب باتت تنقلب عليه، إذ أصبحت آثارها واضحة على المواطن الأمريكي، من خلال ارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات التضخم، وتراجع التوظيف والاستثمار. ويعتبر العديد من الاقتصاديين أن هذه السياسات قد تكون بداية سقوط “الإمبراطورية الأمريكية”، التي لا تزال ترفض الاعتراف بخسائرها العسكرية في فيتنام، أفغانستان، وأوكرانيا، كما ترفض الاعتراف بالواقع الجديد الذي تشكّله قوى اقتصادية صاعدة كالصين، الهند، روسيا، والبرازيل.
أما الأزمة الأخطر، فهي ديون الولايات المتحدة المتضخمة، والتي تجاوزت 35 ألف مليار دولار، دون احتساب ديون القطاع الخاص. وتجد أمريكا نفسها مجبرة على بيع سندات خزينة بشكل مستمر لتمويل نفسها، وهو وضع لا يمكن أن يستمر طويلًا. واللجوء إلى الرسوم الجمركية لم يكن حلًا، بل زاد من تفاقم المشكلة، وقلّص من الثقة العالمية في الدولار الأمريكي، الذي بدأ يفقد مكانته تدريجيًا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…