‫الرئيسية‬ الأولى القصة الكاملة لمنع نشاط حركة “الماك” الإرهابية بفرنسا
الأولى - الحدث - الوطني - ‫‫‫‏‫10 ساعات مضت‬

القصة الكاملة لمنع نشاط حركة “الماك” الإرهابية بفرنسا

القصة الكاملة لمنع نشاط حركة "الماك" الإرهابية بفرنسا
لم يكن منع النشاط الذي كانت تعتزم حركة ما يُسمّى بـ«تقرير مصير القبائل» تنظيمه يوم 14 ديسمبر 2025 في مدينة فرساي إجراءً عابرًا أو قرارًا إداريًا معزولًا عن سياقه، بل جاء تتويجًا لمسار كامل من التقييمات الأمنية والقانونية الدقيقة التي خلصت إلى أن هذا النشاط ينطوي على مخاطر جدية تهدد النظام العام، وقد يحوّل الفضاء العمومي الفرنسي إلى ساحة مواجهة سياسية مستوردة تمس بشكل مباشر وحدة دولة ذات سيادة هي الجزائر. فالقرار، الذي اتُّخذ قبيل الموعد المعلن بساعات، يعكس حجم القلق الذي أثارته طبيعة الجهة المنظمة، وسياق التحرك، والسجل السابق لنشاطات مماثلة داخل التراب الفرنسي، في ظرف أمني حساس لا يحتمل أي مجازفة أو تساهل.

وفي هذا الإطار، تحصلت جريدة «المؤشر» على نسخة كاملة من قرار منع النشاط، تُبيّن الخلفيات القانونية والأمنية التي دفعت السلطات الفرنسية إلى اتخاذ هذا الإجراء، وتفند بشكل واضح الروايات التي سعت إلى تصويره كاستهداف سياسي أو تضييق على حرية التعبير. فالمعطيات الواردة في القرار، كما اطّلعت عليها الجريدة، تكشف أن التعامل مع النشاط لم يكن مبنيًا على مواقف أيديولوجية أو اعتبارات ظرفية، بل على تقدير واقعي للمخاطر المحتملة، وعلى قراءة دقيقة لسوابق ميدانية أثبتت أن هذا النوع من التحركات يحمل قابلية عالية للتحول إلى توتر واحتكاك مباشر في الشارع.

السلطات الفرنسية تعاملت مع الملف من زاوية قانونية صارمة، انطلاقًا من مبدأ مستقر في التشريع الفرنسي والأوروبي مفاده أن حرية التظاهر، رغم كونها حقًا أساسيًا، ليست مطلقة، ويمكن تقييدها متى توفرت مؤشرات جدية على احتمال الإخلال بالأمن أو السلم العام. ومن هذا المنطلق، لم يُقيَّم النشاط على أساس الشعارات التي حاول منظموه الترويج لها، ولا على الخطاب الدعائي المصاحب له، بل على أساس نتائجه المتوقعة ميدانيًا، خاصة في ظل الرفض الحاد والواسع الذي تثيره حركة الماك داخل أوساط الجالية الجزائرية في الخارج، وطبيعة خطابها الانفصالي الصدامي القائم على الاستفزاز والتحريض ضد الدولة الجزائرية ومؤسساتها.

المعطيات المتداولة داخل الدوائر الإدارية والأمنية الفرنسية أشارت إلى توقع مشاركة مئات الأشخاص في النشاط، وهو رقم قد يبدو محدودًا من حيث الكم، لكنه يكتسب دلالة خطيرة عندما يُربط بطبيعة التنظيم الداعي إليه وبسياقه السياسي. فحركة الماك، المصنفة في الجزائر كتنظيم إرهابي، ليست إطارًا احتجاجيًا تقليديًا، بل حركة انفصالية تعمل منذ سنوات على تدويل مسألة داخلية جزائرية، مستغلة وجودها في الخارج ومحاولة فرض حضورها عبر الشارع الأوروبي، بما يحمله ذلك من مخاطر استفزاز وردود فعل مضادة داخل الجالية نفسها.

ولم تبنِ السلطات الفرنسية تقديرها للمخاطر على افتراضات نظرية أو تخمينات إعلامية، بل على سوابق ميدانية مسجلة خلال السنوات الماضية. فقد شهدت فرنسا تجمعات مرتبطة بالتيار نفسه تحولت في أكثر من مناسبة إلى مواجهات مباشرة بين عناصر من الحركة وعدد من أفراد الجالية الجزائرية الرافضين لمشروعها الانفصالي، ما استدعى تدخل قوات الأمن وأسفر عن إصابات. هذه الوقائع عززت قناعة لدى الجهات المختصة بأن خطاب الماك لا يبقى في حدود التعبير السياسي، بل يتحول بسرعة إلى عامل توتير ميداني قابل للانفلات، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بشعارات أو إعلانات تمس وحدة دولة وتثير حساسيات سياسية وهوياتية حادة.

العامل المكاني كان بدوره عنصرًا حاسمًا في اتخاذ قرار المنع. فمدينة فرساي، وبالأخص محيط قصر فرساي، تُعد من أكثر المناطق حساسية من الناحية الأمنية والسياحية في فرنسا، حيث تستقطب يوميًا آلاف الزوار من داخل البلاد وخارجها، لا سيما خلال الفترات التي تشهد تنظيم فعاليات ثقافية وسياحية مسائية مكثفة. وأي اضطراب أمني في هذا الفضاء لا تكون انعكاساته محلية فحسب، بل تمس صورة فرنسا وقدرتها على تأمين مواقعها الرمزية وحماية جمهور واسع، وهو ما جعل السلطات تعتمد منطق الحيطة القصوى وتستبعد أي نشاط قد يرفع منسوب المخاطر في هذا المحيط شديد الحساسية.

إلى جانب ذلك، جاء موعد النشاط في سياق أمني استثنائي، تزامن مع عطلة نهاية أسبوع حافلة بالفعاليات في إقليم الإيفلين ومحيطه، من أسواق أعياد الميلاد والمهرجانات المحلية، إلى احتفالات شعبية وتجمعات فنية كبرى، إضافة إلى نشاطات غير مصرح بها كانت محل متابعة أمنية مسبقة. هذا الضغط الكبير على الموارد البشرية واللوجستية لقوات الأمن جعل من الصعب، وفق التقديرات الرسمية، تأمين نشاط إضافي عالي الحساسية دون المخاطرة بوقوع اختلالات جدية في حفظ النظام العام.

وبناءً على هذه العناصر المتراكبة، اتُّخذ قرار منع النشاط المعني، مع توسيع نطاق الإجراء ليشمل أي تجمع ذي طابع احتجاجي أو مطلبي في محيط محدد من فرساي خلال اليوم نفسه، تفاديًا لأي محاولات التفاف أو نقل للنشاط إلى الشارع. كما جرى التنبيه إلى العواقب القانونية المترتبة عن أي خرق، مع التأكيد على الطابع القانوني للإجراء وإمكانية الطعن فيه عبر المسارات القضائية المعمول بها، في انسجام تام مع منطق دولة القانون.

يحمل هذا التطور دلالات سياسية وأمنية بالغة الأهمية. فالجزائر، التي صنفت حركة الماك تنظيمًا إرهابيًا، لطالما حذرت من محاولات هذا التنظيم استغلال الخارج لتغذية خطاب انفصالي يهدد الوحدة الوطنية ويزرع الفتنة داخل المجتمع. وما تكشفه المعطيات التي اطلعت عليها جريدة «المؤشر» يؤكد أن هذا الخطاب لم يعد يُنظر إليه في أوروبا بوصفه مجرد تعبير سياسي، بل كعامل توتير حقيقي قابل للتحول إلى اضطراب أمني، وهو ما يمثل تقاطعًا عمليًا مع الموقف الجزائري الثابت الرافض لأي شرعنة لهذا المسار.

وفي هذا السياق، لا يمكن قراءة منع النشاط كمساس بحرية التعبير، بل كقرار سيادي مسؤول يهدف إلى حماية السلم العام داخل فرنسا، ومنع تحويل شوارعها إلى ساحات صراع سياسي مستورد. كما يعكس هذا التطور وعيًا متزايدًا لدى الشركاء الأوروبيين بخطورة الحركات الانفصالية العابرة للحدود، وبضرورة التعامل معها من زاوية أمنية وقانونية صارمة، لا من زاوية التساهل أو التغاضي.

وتُظهر القصة الكاملة لمنع نشاط حركة الماك في فرنسا أن الأمر يتعلق بقرار مدروس، بُني على تقييم واقعي للمخاطر، وسوابق مثبتة، وسياق أمني وسياسي بالغ الحساسية، وانتهى إلى نتيجة تصب بوضوح في مصلحة الجزائر ووحدتها الترابية. وهو تطور يؤكد أن محاولات تدويل مشروع انفصالي مرفوض داخليًا بدأت تصطدم في الخارج بجدار القانون والأمن، وأن توظيف الفضاء الأوروبي للإضرار بالجزائر وسيادتها لم يعد يمر كما كان في السابق.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

وزارة الدفاع الوطني تنفي مزاعم إنشاء وحدات مرتزقة جزائرية في منطقة الساحل

نفت وزارة الدفاع الوطني، في بيان صادر هذا السبت، نفياً قاطعاً الأخبار التي وصفتها بالمضللة…