القضاء الفرنسي يحقق في التمويل الإماراتي لضرب مصالح الجزائر في فرنسا
تتشكل الشخصيات العامة في عالم السياسة ليس فقط من خلال مواقفها وسياساتها، بل أيضًا عبر استراتيجيات تسويق مدروسة بعناية. ومن أبرز الشخصيات التي تمثل هذا النهج جوردان بارديلا، الوجه الجديد لليمين الفرنسي العنصري المتطرف، والذي يُعتبر نتاجًا لاستراتيجية تسويقية مكثفة وموجهة من قبل مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني”. لكن، ما لم يكن متوقعًا هو الدور الخفي للأموال الإماراتية في تعزيز موقعه السياسي لضرب مصالح الجزائر في فرنسا.
مارين لوبان، إدراكًا منها لإمكانات الشاب بارديلا في كسب الأصوات الانتخابية، استثمرت مبالغ ضخمة في تكوينه وتدريبه إعلاميًا. وكان الهدف واضحًا: الوصول إلى فئات واسعة من الناخبين لم تكن لوبان قادرة على هذه المهمة بنفسها، لا سيما فئة النساء والشباب. لهذا الغرض، استعانت بالمدرب الإعلامي باسكال أومو، الصحفي السابق، الذي عمل على تدريب جوردان بارديلا لمدة أربع سنوات كاملة، علمه فن الخطابة وكيفية التفاعل الإيجابي مع الإعلام والحفاظ على ابتسامته الدائمة أثناء الظهور العلني.
جزء مهم من عملية التسويق لشخص جوردان بارديلا اعتمد على بناء قصة شخصية تعكس صورة الشاب الذي نشأ في ظروف صعبة، في حي سان دوني المهمش. تُوحي رواية جوردان بارديلا بحكاية الصبي الذي عاش طفولة فقيرة وصعبة في أحد أسوأ أحياء فرنسا. بالفعل، نشأ جوردان بارديلا في سان دونيه بضاحية باريس، في حي صغير وسط المدينة يُدعى غابريال بيري، وكانت والدته تعمل كعاملة في المدارس بظروف معيشية متواضعة.
لكن الرواية التسويقية المؤثرة، تخفي عمدًا جزءًا آخر من حياة جوردان بارديلا. فوالده كان رجل أعمال ينتمي إلى الطبقة البورجوازية، وقد مول جميع مراحل دراسته في مدارس خاصة ومدفوعة الثمن. بالإضافة إلى ذلك، حظي جوردان بارديلا بفرص لم تكن متاحة للكثيرين في ظروفه المفترضة، مثل رحلة إلى الولايات المتحدة عندما كان مراهقًا وهدية والده المتمثلة في سيارة “سمارت” عند بلوغه سن التاسعة عشرة.
في محاولة لترسيخ صورة جوردان بارديلا كزعيم قوي ومستقل، استخدمت لوبان تشبيهات حيوانية للتعبير عن تطوره السياسي. حيث كانت تصف جوردان بارديلا بأنه “شبل” في بداية مسيرته، ولكن بعد توليه رئاسة “التجمع الوطني”، تحول هذا الشبل في عينيها إلى “أسد”، مما يعكس قناعتها بقدراته السياسية البارزة.
الأموال الإماراتية لحزب لوبان لضرب مصالح الجزائر
في نهاية يونيو 2017 وبعد الانتخابات الرئاسية، كشف تحقيق نشره موقع “ميديابارت” الفرنسي عن “عملية إنقاذ” نفذتها دولة الإمارات بضخ أموال ضخمة في خزينة حزب الجبهة الوطنية اليميني العنصري المتطرف. ومكّن القرض من 8 ملايين يورو الحزب من الخروج من أزمة مالية خانقة. وتمت عملية تحويل المبلغ بواسطة شركة التمويل الإماراتية “نور كابيتال” بأبو ظبي بإشراف أوليفيي كوغيول، الذي ظهر اسمه في عدة تحقيقات جنائية.
من خلال هذه الأموال الإماراتية، تمت صناعة “أمير تيك توك”، كما تسميه الصحافة الإنجليزية. هذا الدعم المالي الإماراتي يفسر أيضًا التقارب الصهيوني من حزب التجمع الوطني، المعروف بعدائه التاريخي للسامية ولليهود. كما يفسر التهجم المسعور الذي كان موجهاً ضد الجزائر وجاليتها في فرنسا. تعزيز نفوذ بارديلا وحزبه يخدم مصالح معينة تتعارض مع المصالح الجزائرية. بالإضافة إلى ذلك، يفسر هذا الدعم أيضًا تحالف المخزن المغربي مع حزب عنصري يعادي المهاجرين، لأن المغرب وجد في هذا التيار ما يخدم مصالحه ومنها تعهد مارين لوبان وصبيها المدلل بالاعتراف بـ”مغربية” الصحراء الغربية مباشرة بعد الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة.
هذا التمويل الإماراتي أثار عدة تساؤلات تتعلق بتأثير هذا البلد في السياسة الفرنسية، خصوصًا في ظل التوترات مع الجزائر، فبينما كانت الجزائر تعمل على تعزيز مصالحها في فرنسا، جاء الدعم الإماراتي ليعزز من قوة حزب يتبنى سياسات مناهضة للهجرة والمسلمين. وهنا علينا أن نؤكد بأنه يخص الجزائريين دون غيرهم، وضرب مصالح الجزائر في فرنسا.
ولضمان احترام الإجراءات القانونية لهذا القرض، استدعى بنك “سوسيتي جنرال” الفرنسي تحقيقًا مع فوشر وأربعة مسؤولين بالبنك. أكد خلاله فوشر أن القرض كان “قصة حياة أو موت” بالنسبة لحزب مارين لوبان، ولكنه لم يوضح مصدر المبلغ بشكل كامل. مما أدخل الشك لدى اللجنة الوطنية المكلفة بتتبع ومراقبة الحسابات المالية وكيفية صرفها خلال الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية الفرنسية، وطلبت اللجنة من الحزب اليميني تقديم كل التفاصيل المرتبطة بالقروض التي تحصل عليها.
تبرز قصة جوردان بارديلا طريقة التسويق السياسي وصناعة صورة لشخصية عمومية وإنتاج رواية تستعطف القلوب وتصل إلى عقول الناخبين. بفضل استثمار مارين لوبان في تدريبه الإعلامي وبناء قصته الشخصية، أصبح جوردان بارديلا رمزًا سياسيًا بارزًا يحمل آمال الحزب في الوصول إلى فئات جديدة من الناخبين وكسب تعاطفها وأصواتها. ومع ذلك، تظل الحقيقة الكاملة لحياة هذا الفتى المدلل أكثر تعقيدًا مما يُروى في وسائل الإعلام، مما يذكرنا بأهمية البحث فيما تخفيه الكواليس السياسية. إضافة إلى ذلك، يكشف دعم الإمارات المالي للحزب اليميني العنصري المتطرف عن تعقيدات أخرى قد تؤثر على المصالح الجزائرية في فرنسا، مما يزيد من أهمية مراقبة هذه التحركات عن كثب.
إسرائيل، الإمارات، والمغرب يشكلون ثالوث الشر الذي يدعم حزب مارين لوبان، ابنة المظلي العنصري السابق الذي عمل في جيش الاستعمار الفرنسي بالجزائر. واليوم، يدعم هذا الثالوث وريثة المظلي العنصري في حربها ضد الجزائر والجزائريين المهاجرين. غريب أمر العنصريين الفرنسيين، فهم لا يكرهون من الأعراق إلا الجزائرية.
للتذكير، فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقا مبدئيا في اتهامات بشأن تمويل غير قانوني واتهامات تتعلق بالاختلاس والتزوير والاحتيال وقبول مرشح قرضًا من شخص معنوي أثناء الحملة الانتخابية لزعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف مارين لوبان. وأوضح مكتب المدعي العام أن التحقيق، جاء هذا في أعقاب تقرير صدر العام الماضي عن اللجنة الوطنية لحسابات الحملات الانتخابية والتمويل السياسي التي تدقق في نفقات المرشحين وتمويلهم، وفتح بشأن “قرض من شخص معنوي لمرشح خلال حملة انتخابية، وقبول مرشح خلال حملة انتخابية قرضًا من شخص معنوي، واختلاس أملاك من قبل أشخاص يمارسون وظيفة عامة، واحتيال ارتكب بحق شخص عام، وتزوير وثائق واستخدام وثائق مزورة”.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…