‫الرئيسية‬ الأولى القمة الوطنية للشباب.. خلل التوصيف ومأزق المصطلح
الأولى - الحدث - الوطني - مقالات - 7 يوليو، 2025

القمة الوطنية للشباب.. خلل التوصيف ومأزق المصطلح

القمة الوطنية للشباب.. خلل التوصيف ومأزق المصطلح
شهدت الجزائر، بتاريخ 7 جويلية 2025، تنظيم فعالية وطنية حملت تسمية “القمة الوطنية للشباب والمشاركة السياسية”، بحضور الوزير الأول وعدد من أعضاء الحكومة، وتحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية. وقد احتضن المركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” بالجزائر العاصمة هذه التظاهرة، التي عرفت مشاركة واسعة لنحو 3000 شاب وشابة من مختلف جهات الوطن، تحت شعار: “بالقيادة والابتكار، نساهم في صنع القرار”.

وبقدر ما أثارت هذه المبادرة اهتمام المتابعين، باعتبارها خطوة رمزية في سبيل إشراك الشباب في الشأن العام، فقد طرحت في الوقت ذاته إشكالًا دقيقًا يتعلق بالتوصيف المعتمد للحدث، من خلال إطلاق صفة “القمة” عليه، وهو ما يستدعي مراجعة واعية لضبط المصطلحات في الخطاب الرسمي.

مصطلح “قمة” (Summit) في الخطاب السياسي والدبلوماسي، ليس مجرد توصيف رمزي، بل هو مفردة محكومة بسياق بروتوكولي واضح، تُطلق حصريًا على لقاءات تُعقد بين رؤساء دول أو حكومات، في إطار مشاورات عليا تُفضي غالبًا إلى نتائج ذات طابع سياسي ملزم. القمم تُنظَّم ضمن أجندات رسمية، وتُعلن نتائجها في بيانات ختامية تُعدّ وثائق مرجعية في العلاقات الدولية.

تاريخيًا، ارتبطت “القمة” بمستوى التمثيل السياسي الأعلى في الدولة، وغالبًا ما تُخصّص لملفات كبرى ذات بعد استراتيجي، سواء في العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف (قمم الاتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية، الأمم المتحدة، إلخ). ومن ثم، فإن استعمال هذا المصطلح خارج سياقه الصحيح قد يؤدي إلى سوء فهم المقصود منه، ويجعل المتلقي يخلط بين طبيعة الحدث ومكانته الحقيقية..

الفعالية التي نُظّمت بالجزائر العاصمة، ورغم طابعها الرسمي، لم تُعقد في حضور رؤساء دول أو حكومات، ولم تندرج ضمن سلسلة قمم رسمية بين أطراف سيادية، بل كانت مناسبة وطنية تهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، من خلال ورشات ومحاور تشاورية.

من الناحية المنهجية، الأقرب إلى الدقة في هذا السياق هو اعتماد توصيفات مثل: “الملتقى الوطني”، “المنتدى الوطني”، أو حتى “الندوة الوطنية للشباب”، وهي توصيفات تُعبر بدقة عن طابع الحدث، ومستوى المشاركين فيه، والنتائج المتوقعة عنه، دون أن تحمل دلالات سياسية أو قانونية غير واقعية.

يتجاوز الإشكال حدود الكلمة الواحدة، ليُطرح على مستوى إدارة الخطاب الرسمي ومصداقيته. فتوصيف الفعاليات الوطنية بمصطلحات غير دقيقة يُفقدها هيبتها، ويُعرضها لمقاربات نقدية، محلية ودولية، تؤثر سلبًا على صورة المؤسسات. ففي زمن أصبحت فيه الدقة في اللغة عنصرًا من عناصر السيادة الرمزية للدولة، يغدو الحرص على المصطلح ضرورة سياسية لا تقنية. كما أن استعمال مصطلح “القمة” على فعاليات ذات طابع داخلي أو تمثيل غير سيادي، يُساهم في تمييع المفاهيم، وهو ما يتنافى مع معايير العمل الاحترافي والممارسات البروتوكولية المستقرة.

رغم أن اختيار التسمية الرسمية للفعاليات قد يصدر عن جهات تنظيمية أو رسمية، فإن وسائل الإعلام بكل أطيافها – العمومية والخاصة – تبقى مطالبة بالمساهمة في ترشيد الخطاب السياسي، لا أن تكتفي بدور الناقل الآلي للمصطلحات دون تمحيص. فوظيفة الإعلام لا تقتصر على تغطية الحدث، بل تشمل أيضًا ضمان سلامة اللغة، ودقة التوصيف، وانسجام المحتوى مع الواقع، بما يخدم المصلحة الوطنية ويعزز مصداقية المؤسسات.

ويُلاحظ في الكثير من الخطابات الإعلامية والرسمية، ميلٌ إلى تضخيم بعض المبادرات أو إضفاء طابع رمزي مبالغ فيه على أحداث لا تنسجم مع التوصيفات الكبرى التي تُطلق عليها. وهذا النوع من المبالغة يؤدي غالبًا إلى نتائج عكسية، حيث يُضعف من وقع المبادرة بدل أن يعزّزها، ويفتح باب التشكيك بدل الدعم.

إن العمل السياسي والمؤسساتي لا يُقاس فقط بحجم المبادرات، بل بمدى المنهجية والانضباط في تقديمها، من خلال استعمال مصطلحات دقيقة، وخطاب مسؤول، ووعي بإن الكلمات المستخدمة في توصيف اللقاءات والندوات ليست مجرد عبارات مُنمقة أو للاستهلاك الإعلامي، بل هي مكوّن من مكونات الشرعية الرمزية والفعلية لأي حدث.. وعليه، فإن أي فعالية، مهما كانت قيمتها أو رمزية حضورها، يجب أن تُعرض ضمن إطارها المفهومي الحقيقي، حفاظًا على اتساق الخطاب الرسمي ووضوحه أمام الرأي العام، داخليًا وخارجيًا.

ومع التأكيد على أهمية فعالية “الشباب والمشاركة السياسية” من حيث مضمونها وما تفتحه من فضاءات حوار بنّاء بين الدولة وجيل المستقبل، إلا أن التوصيف المبالغ فيه الذي أُطلق عليها يُعيد التأكيد على أهمية العناية بلغة الدولة وإعلامها، باعتبار أن قوة المؤسسات لا تُقاس فقط بما تُنجزه، بل أيضًا بكيف تُسميه وتُقدّمه للناس.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…