“المؤشر” تكشف فضائح مركز خروبة لمراقبة مطابقة المركبات المستوردة
تنقلت جريدة المؤشر إلى المركز التقني لخروبة شرق العاصمة، وهناك عاينت واقعاً صادماً يعيشه آلاف المواطنين يومياً وهم يسعون لاستكمال إجراء إداري بسيط يتعلق بمطابقة المركبات المستوردة.
فمنذ ساعات الفجر الأولى، تمتد طوابير طويلة على الطريق المؤدي إلى المركز، حيث يضطر المواطنون إلى المبيت داخل سياراتهم أو على الأرصفة ليلتين أو ثلاثاً، في ظروف مزرية لا تليق بخدمة عمومية. مواطنون جلبوا معهم أغطية وأطعمة خفيفة، آخرون يتناوبون مع أقاربهم لحراسة المركبات، فيما تعم الفوضى والارتباك المكان وكأن الأمر يتعلق برحلة عذاب لا بعملية إدارية يفترض أن تكون سريعة وشفافة.
غير أن معاناة المواطن لا تقف عند حدود الطوابير، بل تبدأ منذ اللحظة الأولى التي يقترب فيها من بوابة الموقف المقابل للمركز. فالقانون ينص على أن تسعيرة المبيت داخل الموقف محددة بـ 200 دينار جزائري (100 دج عن النهار و100 دج عن الليل)، لكن ما يُفرض على أرض الواقع مختلف تماماً، إذ يجبر أعوان الحراسة المواطنين على دفع 400 دينار كاملة حتى يسمح لهم بالمبيت بسياراتهم داخل الموقف ليلة كاملة، وهو شرط أساسي كي يتمكنوا من دخول المركز في اليوم الموالي. هذه الزيادة غير القانونية أصبحت قاعدة يومية، حيث يدفع المواطن ضعف السعر الحقيقي من دون أي مبرر، وهو ما يثير شبهة ابتزاز واضح.
ومع ذلك، فإن الفاتورة لا تتوقف عند هذا الحد. فبعد أن يقضي المواطن ليلته أو لياليه في العراء وينجح في الدخول إلى المركز، يُطلب منه دفع مبلغ إضافي قدره 1000 دينار جزائري على شكل “ضريبة”. في الظاهر تبدو رسماً إجبارياً، لكن في الحقيقة هي ليست سوى ثمن الموقف الداخلي. وهكذا يجد المواطن نفسه مضطراً لدفع 400 دج في البداية و1000 دج لاحقاً، أي ما مجموعه 1400 دينار فقط كي يتمكن من الوصول إلى الفحص الذي لا يستغرق أكثر من عشر دقائق. أحد الغاضبين الذين التقيناهم قال بمرارة: “القانون يقول 200 دج، لكننا ندفع 400 للمبيت و1000 عند الدخول. ندفع 1400 دج لنصل إلى فحص يستغرق دقائق. إنها عملية استنزاف لا غير”.
والأدهى أن الطاقة الاستيعابية النظرية للمركز محددة بـ 100 مركبة يومياً، وهو رقم ضعيف أمام حجم الطلب الكبير. لكن خلال تواجد “المؤشر” في عين المكان، سجلنا دخول أكثر من 120 سيارة دفعة واحدة!، ثم لاحظنا دخول سيارات أخرى بعد طلوع الشمس مباشرة دون أن تمر عبر الطوابير أو رسوم المبيت، حيث وُجهت إلى مكان جانبي خاص، وتكفل المهندس بفحصها وحدها بعيداً عن البقية. هذه المشاهد زادت من قناعة المواطنين بأن هناك مسارات موازية غير شفافة داخل المركز، تُعرف شعبياً بخدمات الـ “VIP”، حيث تمر بعض الملفات بسرعة مقابل مبالغ مالية ضخمة تصل أحياناً، حسب ما أكده لنا مواطنون غاضبون، إلى أربعة ملايين سنتيم كرشوة. وبذلك يصبح المواطن العادي عالقاً لأيام في الشارع، بينما ينال “المحظوظون” معاملة خاصة في دقائق.
المفارقة أن كل هذا العناء والمبيت والدفع والانتظار الطويل ينتهي بفحص بسيط، فتح غطاء المحرك، مطابقة رقم الهيكل مع البطاقة الرمادية وورقة المراقبة، ثم تسليم وثيقة لإيداعها لاحقاً لدى مصالح البلدية. إجراء لا يستغرق أكثر من عشر دقائق في أحسن الأحوال، لكن سوء التنظيم والفوضى والتمييز حولوه إلى رحلة عذاب تستمر لأيام. كما أن الطوابير الطويلة أمام المركز تُربك حركة المرور وتشل الطرق المحيطة به، ما يستدعي تدخل الشرطة بشكل متكرر لإعادة النظام.
أمام هذه الأوضاع، أعلنت وزارة المحروقات والمناجم عن إطلاق قريب لمنصة إلكترونية جديدة باسم “مركبتي” (markabati.dz)، ستسمح بحجز المواعيد المتعلقة بمراقبة مطابقة المركبات المستوردة. ووفق ما صرحت به المديرة العامة للمناجم، نجيبة بورنان فدال، لوكالة الأنباء الجزائرية، فإن المنصة ستطبق أولاً في مركز خروبة كتجربة نموذجية قبل تعميمها على باقي المراكز، وستسمح بتقليص مدة معالجة الملفات إلى عشرين دقيقة للمركبة الواحدة، مع برمجة أفضل للملفات وتفادي الطوابير والاكتظاظ. وأضافت أن النظام الجديد سيعتمد على حجز موعد عبر الإنترنت، يتلقى المواطن بعده بريداً إلكترونياً يتضمن الموعد والوثائق المطلوبة ورمز استجابة سريع QR Code يُستخدم عند الدخول للمركز لضمان الشفافية والدقة.
كما كشفت المسؤولة أن الوزارة دعمت مركز خروبة بخمسة خبراء مناجم انتدبوا من ولايات أخرى، مما يرفع القدرة اليومية إلى 110 مركبات. وتعمل الوزارة بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والنقل لتوسيع صلاحيات خبراء ولايات مجاورة مثل بومرداس وتيبازة لمعالجة ملفات مركبات تحمل ترقيم العاصمة، في خطوة لتخفيف الضغط الكبير. وتدرس الوزارة أيضاً إنشاء مراكز جديدة في شرق ووسط وغرب العاصمة، إضافة إلى إعداد بطاقية وطنية لمستوردي المركبات. وحسب الإحصائيات الرسمية، فقد قام خبراء المناجم بمركز خروبة منذ جانفي 2025 بمراقبة مطابقة أكثر من 17 ألف مركبة، منها 5800 سيارة أقل من ثلاث سنوات و6300 سيارة جديدة.
غير أن المواطنين الذين التقتهم “المؤشر” بدوا متشككين في جدوى هذه الوعود، معتبرين أن الأزمة أعمق من مجرد إطلاق منصة رقمية. فالمشاهد التي وقفنا عليها من طوابير الفجر والمبيت في العراء ورسوم غير قانونية وتمييز فاضح بين المواطنين، تشير إلى أزمة ثقة قبل أن تكون أزمة تنظيم. وبين من يدفع 1400 دج ويقضي ثلاث ليالٍ من أجل ورقة لا تتجاوز عشر دقائق، ومن يدفع ملايين السنتيمات ليعبر في دقائق، تضيع العدالة وتتعمق الفجوة بين المواطن ومؤسساته. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ستنجح منصة “مركبتي” في إعادة الثقة المفقودة، أم ستظل خروبة عنواناً للفوضى والتمييز ومرآة لفساد ينخر خدمة عمومية يفترض أن تكون في خدمة المواطن؟
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…