‫الرئيسية‬ الأولى المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر
الأولى - رأي - مقالات - ‫‫‫‏‫5 دقائق مضت‬

المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر

المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر
تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مدفوعة وتغطيات موجّهة، في محاولة لإقناع الرأي العام الدولي بضرورة الضغط على الجزائر لفتح الحدود واستئناف العلاقات. هذا التحرك المكثف لا يمكن قراءته إلا بوصفه انعكاساً لأزمة داخلية خانقة يعيشها النظام المروكي سياسياً واقتصادياً ومالياً، بعد أن بلغت الديون مستويات غير مسبوقة وتقترب البلاد من تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي المتعلقة بإغراق الدرهم وتخفيض قيمته، بما يعني انهيار القدرة الشرائية وضرب الفئات الوسطى والفقيرة في العمق.

ويتوهّم المخزن أن واشنطن قادرة أو مستعدة للضغط على الجزائر لفتح الحدود. غير أن هذه الفرضية لا تعدو أن تكون وهماً تسويقيّاً للاستهلاك الداخلي، لأن القرار السيادي المتعلق بالحدود الجزائرية غير قابل للمساومة ولا يخضع لأي ابتزاز سياسي أو اقتصادي. فتح الحدود اليوم، في ظل المعطيات الأمنية والاقتصادية الإقليمية، يشكل خطراً استراتيجياً مباشراً على الجزائر، خاصة مع استمرار تدفق المخدرات الصناعية والصلبة من المروك والارتباط الوثيق بين شبكات التهريب والجريمة المنظمة والمصالح الاستخباراتية الصهيونية داخل الأراضي المروكية.

ومن العبث الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستغامر بتقديم ضمانات أمنية واقتصادية ضد تهديدات مرتبطة بالمخدرات وتدفقات الاستخبارات الصهيونية إلى الحدود الجزائرية، في الوقت الذي تُظهر فيه أحداث منطقة الشرق الأوسط بوضوح أنّ القرار داخل واشنطن ليس بمعزل عن نفوذ اللوبي الإسرائيلي.

ويستمر المخزن في ترديد خطاب الضحية حين يشتم الجزائر صباحاً ويتودد إليها مساء، محاولاً جرّها إلى سيناريو تطبيع وهمي للعلاقات، رغم أنّ الذاكرة الدبلوماسية الجزائرية لم تنسَ بعد الاتهام المروكي للجزائر في قضية تفجير فندق مراكش سنة 1994، وهو الاتهام الذي لم يعتذر عنه المخزن حتى اليوم، بل وظلّ يديره بمنطق عدائي، تجسده يومياً مئات المواد الإعلامية والفيديوهات التي تبث سمومها ضد الجزائر.

ويزداد هذا التناقض فجاً عندما يمد الملك يده خطاباً لـ “الأشقاء في الجزائر”، في الوقت الذي يصف فيه وزيره للمالية الجزائر أمام برلمان المروك بأنها “دولة عدوة”. وهو توصيف كفيل وحده بجعل الحديث عن “المصالحة” مجرد عبث سياسي لا يستحق التعليق.

أما سقوط “أسطورة أنبوب الغاز النيجيري عبر المروك” فقد شكّل ضربة قاصمة للمخزن، ليس فقط اقتصادياً بل دعائياً أيضاً. فالمشروع الذي روّج له الإعلام المروكي بوصفه “فتحاً اقتصادياً” انتهى إلى اعتراف دولي باستحالة جدواه، كلفة تتجاوز 30 مليار دولار، مدة إنجاز تمتد لأكثر من ربع قرن، وعائد غازي لا يتجاوز 12 مليار متر مكعب سنوياً مع إمكانية استرجاع الاستثمارات بعد ثلاثة قرون. وهي أرقام لم يجرؤ حتى الممولون الدوليون على مناقشتها، فضلاً عن الاستثمار فيها.

فشل هذه الرواية الاقتصادية جعل المخزن يعيد تموضعه بحثاً عن متنفس دبلوماسي، خصوصاً مع استعادة الدفء للعلاقات الجزائرية الإسبانية، وتوقّع زيارة مرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى مدريد. هذا التطور يثير قلق الرباط، التي تدرك أنّ التحالف الجزائري – الإسباني يُنهي آخر أوراق الابتزاز المروكي في ملف الغاز والهجرة والضغط الأوروبي.

أما على مستوى قضية الصحراء الغربية، فإن خطاب المخزن يتهاوى أمام وقائع القانون الدولي. وحتى في حال قبول جبهة البوليساريو خيار الحكم الذاتي، فإن دستور المروك لا يقرّ أي نظام فدرالي، ما يجعل العرض المروكي مجرّد مناورة لطمس الهوية الصحراوية وإذابة شعب دفع خمسين سنة في معركة اعتراف دولي أثمر عضوية كاملة في الاتحاد الإفريقي ودعم شرعية تقرير المصير.

كل هذه العوامل تجعل الحملات الإعلامية المروكية على شبكات التواصل وبعض المنابر الممولة ليست أكثر من محاولة لتصدير أزمة داخلية متفاقمة. الجزائر، من جهتها، لا تشتري خطابات الضغط ولا تتعامل بمنطق الانفعال السياسي، بل بمنطق الدولة ذات القرار السيادي القائم على الاستشراف والدراسة والمؤسسات. قرار غلق الحدود سنة 1994 كان نتيجة عمل استراتيجي أمني واقتصادي، وليس رد فعل ظرفي.

الجزائر تمتلك اليوم منظومة كفاءات دبلوماسية وسياسية وخبرة سيادية تجعلها تقف على مسافة واحدة من صراخ الإعلام المروكي وتوسلات مخابره وارتباك نخبه. العلاقات ليست مسرحاً للانفعال ولا منصة للهروب من أزمة داخلية خانقة، بل منظومة مصالح استقرار وأمن وسيادة لا تقبل المساومة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

بن كيران يبرر خيارات المخزن الإقليمية!

يعود عبد الإله بن كيران بين فترة وأخرى إلى المشهد السياسي في المروك من خلال دعوات متكررة ل…