الهلال الأحمر تحت المجهر…
تحوّلت قضية رئيسة الهلال الأحمر الجزائري إلى موضوع واسع للنقاش العام، عقب التصريحات التي أدلى بها المتطوّع ياسين بن شطّاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قدّم فيها رواية شخصية حول ما قال إنه تعرّض له رفقة إحدى زميلاته خلال فترة التوقيف. وقد أدّت هذه الشهادة إلى تفاعل ملحوظ، بالنظر إلى ما تضمنته من سرد لتجربة اعتبرها بن شطّاح “مهينة وغير ملائمة”، موجّهًا خلالها انتقادات لبعض أساليب التعامل أثناء إجراءات التحقيق، وفق ما أورده في شهادته. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأقوال تُنسب إلى صاحبها فقط، وتبقى في انتظار أي توضيحات أو نتائج تحقيقات رسمية قد تُعلنها الجهات المختصة.
وفي سياق المقارنة المهنية، يشير بعض المتابعين إلى أن مثل هذه الادعاءات تختلف عما يُسجَّل عادة في محاكمات دولية، ومنها قضايا إرهاب وجريمة منظمة تمّت تغطيتها إعلاميًا في بلدان أوروبية، حيث لم تُسجَّل ادعاءات مماثلة بشأن سوء معاملة الموقوفين. وتُذكر هذه المقارنة من باب تقديم سياق عام لطبيعة إجراءات التوقيف في بيئات مختلفة، دون إسقاط مباشر على القضية محل النقاش.
وتبقى رواية ياسين بن شطّاح، في نهاية الأمر، شهادة فردية تعكس ما يقول إنه عاشه في ظرف معيّن، دون أن تمثّل بالضرورة صورة شاملة عن المؤسسات العقابية في الجزائر، خصوصًا مع وجود شهادات أخرى—من بينها شهادات لمعارضين سابقين—تشير إلى تجارب مختلفة. وهذا ما يجعل من الضروري تجنّب التعميم، والتركيز على ضرورة التثبّت من أي ادعاءات تُطرح، عبر المسارات القانونية والإدارية المعتَمَدة، بما يضمن الحفاظ على مصداقية المؤسسات وحق جميع الأطراف في الوصول إلى الحقيقة من خلال تحقيقات موضوعية.
وبالرغم من ذلك، فإن أي معاملة قد تُعتبر ماسّة بكرامة الموقوفين—في حال ثبوتها رسميًا—ستكون غير منسجمة مع التشريعات الجزائرية التي تحدّد بوضوح أن السجن هو تقييد للحرية وليس وسيلة للإهانة أو التعنيف. كما أن التشديد الذي عرفه القانون الجزائري خلال السنوات الأخيرة يهدف إلى مكافحة الجرائم الخطيرة بناءً على أدلة مؤكَّدة، وليس الاعتماد على تقارير غير مدعّمة أو إجراءات لا تستند إلى أسس قانونية واضحة، وهي مسألة تُطرح للنقاش داخل المجتمع وفي أوساط الجالية.
وتبرز القضية الحالية الحاجة إلى مراجعة بعض الآليات التي تنظّم العلاقة بين الجهاز التنفيذي وأجهزة العدالة، في اتجاه ضمان أوضح للحدود والصلاحيات، ومنع أي التباس محتمل في الإجراءات. وفي هذا السياق، يقترح بعض الفاعلين التفكير في إنشاء هيئة مستقلة تُحال إليها الدعاوى المرتبطة بمهام المسؤولين العموميين قبل مباشرتها، بما يساهم في حماية الموظف العمومي من جهة، ويضمن من جهة أخرى عدم إساءة استعمال النفوذ.
أما ما ورد في الشهادة بشأن “حضور” رئيسة الهلال الأحمر أثناء مراحل معينة من المعالجة الإدارية أو القانونية للقضية، فهو يبقى ادعاءً منسوبًا إلى صاحبه فقط، ويحتاج—كغيره من النقاط—إلى توضيح رسمي من الجهات المختصة، خاصة أن تحديد المسؤوليات لا يمكن أن يتم إلا بناءً على نتائج تحقيقات موثّقة.
وفي المحصلة، تتيح هذه القضية فرصة لإعادة التأكيد على أهمية احترام حقوق الأفراد أثناء التوقيف والتحقيق، وتعزيز استقلالية مؤسسات الدولة، بما يساهم في الحفاظ على الثقة العامة وصورة الجزائر داخليًا وخارجيًا، في انتظار ما قد تسفر عنه الإجراءات الرسمية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر
تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…







