‫الرئيسية‬ الأولى “اليد الميتة” ترد على الغطرسة الأمريكية
الأولى - الدولي - مقالات - 3 أغسطس، 2025

“اليد الميتة” ترد على الغطرسة الأمريكية

"اليد الميتة" ترد على الغطرسة الأمريكية
منذ تسريب مكالمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني زيلينسكي، والتي طلب فيها بشكل مباشر قصف موسكو، دخلت العلاقات الروسية-الأمريكية في مرحلة توتر حاد غير مسبوق. هذا التصعيد دفع ترامب إلى اتخاذ قرار مفاجئ بتقليص المهلة التي منحها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإبرام اتفاق سلام مع أوكرانيا من خمسين يومًا إلى اثني عشر يومًا فقط، وهو ما أغضب الكرملين بشدة.

الرد الروسي لم يتأخر، فجاء على لسان الرئيس السابق دميتري مدفيديف، الذي صرّح بأن “روسيا ليست طهران ولا تل أبيب حتى تُملَى عليها شروط من هذا النوع”. ترامب، المعروف بشخصيته النرجسية وصراعه الدائم مع المؤسسات الدولية، لم يسكت بدوره، فردّ بإرسال غواصتين نوويتين إلى محيط السواحل الروسية، في استعراض واضح للقوة، سرعان ما زاد من اشتعال الوضع.

مدفيديف عاد للرد بلهجة أكثر حدة، مذكّرًا الإدارة الأمريكية بما يُعرف بـ”نظام اليد الميتة”، وهو نظام ردع أوتوماتيكي يُفعَّل تلقائيًا في حال تعرضت القيادة الروسية لهجوم مفاجئ يُفقدها السيطرة، بحيث تنطلق الصواريخ النووية الروسية تلقائيًا نحو أهدافها المحددة مسبقًا، دون حاجة لأي تدخل بشري. هذه الصواريخ تعمل بتقنيات فرط صوتية، وتسلك مسارات غير تقليدية عبر القطب الجنوبي لتجنب أنظمة الاعتراض الأمريكية المتمركزة في الشمال، ما يجعل اعتراضها شبه مستحيل.

الولايات المتحدة من جهتها تسعى إلى فرض عقوبات خانقة على روسيا تهدف إلى حرمانها من تصدير النفط والغاز، واللذَين يمثلان نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي. لكن محاولات واشنطن للضغط على شركاء موسكو باءت بالفشل، إذ قوبل طلب ترامب بامتناع الهند عن شراء النفط الروسي برفض قاطع، كما أعادت الصين نفس الموقف، رافضة أي تدخل في قراراتها السيادية الاقتصادية. هنا، وجد ترامب نفسه في مأزق حقيقي، لم تعد واشنطن الطرف الوحيد الذي يملي الشروط على العالم، وبدأ يتبلور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، رغمًا عن طموحات البيت الأبيض.

روسيا، التي فُرضت عليها أكثر من 23 ألف عقوبة غربية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لم تنحنِ، بل واصلت النهوض اقتصاديًا. قطاعات الزراعة والصناعة شهدت قفزات ملحوظة، وتمكنت موسكو من تصنيع ثلاثة أنواع جديدة من الطائرات المدنية بالكامل بقطع محلية، دون الاعتماد على أي مكوّن غربي، في خطوة جسدت الاستقلال الصناعي الكامل عن شركتي “بوينغ” و”إيرباص”. بالمثل، تمكنت الصين من تحقيق قفزة مشابهة في مجال تصنيع الطائرات، وأشباه الموصلات، وتطوير برمجياتها الخاصة للهواتف والحواسيب، معلنة عن نظام تشغيلها البديل “هارموني”، والذي قد يُشكّل قريبًا تهديدًا حقيقيًا لنظام “ويندوز” الأمريكي.

ما يمكن قوله بوضوح هو أن لعبة ترامب في صراعه مع روسيا والصين خاسرة من البداية. أما أوكرانيا، فهي تتجه بسرعة نحو الانهيار، في ظل استنزاف بشري واقتصادي غير مسبوق، تُوّج مؤخرًا بإصدار الرئيس زيلينسكي قانونًا لتجنيد المواطنين ممن تجاوزوا الستين عامًا، وهو ما يُعبّر عن كارثة إنسانية تعكس حجم الأزمة داخل كييف.

ترامب لن يخرج منتصرًا من هذا الصراع، بل إن بلاده تواجه داخليًا موجة متصاعدة من الأزمات الاقتصادية. وعوده بجلب المليارات عبر فرض الرسوم الجمركية تتبخر أمام هروب كبرى الشركات الأمريكية إلى الخارج، بحثًا عن ملاذات آمنة واستقرار سياسي لا تجده حاليًا داخل الولايات المتحدة. شركات مثل “جون دير” و”أمازون” أصبحت تبحث عن وجهات جديدة للاستثمار، بعيدًا عن التقلبات السياسية التي صارت تهدد كل مناخ الأعمال.

أما صراعاته مع الحلفاء، فهي لا تقل حدّة عن تلك التي يخوضها مع خصومه. ففي خطوة غريبة، أشار ترامب إلى إمكانية ضم كندا إلى الولايات المتحدة، وكأنها مزرعة يملكها، ما تسبب في صدمة دبلوماسية لدى الحكومة الكندية، وزاد من التوترات مع دول الجوار.

تصرفات الرئيس الأمريكي باتت تزعج الجميع، خصومًا كانوا أم حلفاء، ومع استمرار هذه السياسات المتهورة، فإن القادم لا يبدو مبشرًا على الإطلاق، لا لأمريكا ولا لحلفائها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…