اليمين المتطرف في أوروبا: أزمة خانقة في مواجهة تحديات الهجرة
لأول مرة في التاريخ المعاصر، يجد اليمين المتطرف في أوروبا نفسه في مواجهة أزمة خانقة تتعلق بتطبيق أفكاره المناهضة للمهاجرين، وخصوصًا العرب والمسلمين. هذا التطور يأتي عندما تم التوصل إلى اتفاق بين زعماء اليمين المتطرف و”إسرائيل” قبل أكثر من عشر سنوات، على تحويل الكراهية من اليهود إلى المسلمين، مما يعيد تشكيل مواقف اليمين المتطرف التي كانت تقليديًا معادية لليهود، مستندة إلى إرث كراهية تقليدية نفذها هتلر بقتل الملايين منهم فيما يعرف بالمحرقة.
فإن هذا الاتفاق لم يكن مجرد اتفاق دبلوماسي، بل كان تحولًا استراتيجيًا في السياسات المتبعة. فقد أفاد هذا الاتفاق اليمين المتطرف في أوروبا بتحديد هدف مشترك مع “إسرائيل”، وهو توجيه الانتباه والكراهية نحو فئات محددة من المهاجرين، خاصة المسلمين والعرب.
رغم صراخ اليمين المتطرف ضد الهجرة، تواجه أوروبا تحديات اقتصادية حقيقية تجعل من الصعب تطبيق سياسات طرد المهاجرين. تعاني القارة الأوروبية من انخفاض خطير في معدلات الإنجاب وعدم القدرة على تعويض كبار السن بشباب في مناصب العمل. على سبيل المثال، تحتاج ألمانيا إلى جلب مليون أجنبي من خارج الحدود الأوروبية بحلول عام 2030 للحفاظ على نشاطها الاقتصادي ومنع الانهيار. ويحتاج الاتحاد الأوروبي مجتمِعًا إلى جلب 90 مليون أجنبي بحلول عام 2050 لضمان بقاء اقتصاده حيًا وتمويل منح التقاعد للكبار في السن.
أمام هذه التحديات، لن تستطيع أحزاب اليمين المتطرف، مهما علا صراخها، طرد المهاجرين. وإذا غادروا طواعية، ستحل الكارثة على اقتصاد أوروبا. ينصح المختصون في قطاع المال والاقتصاد بفرنسا الفرنسيين بالتوقف عن الاستثمار في شراء العقارات، مؤكدين أن تسارع وتيرة الشيخوخة مع قلة الإنجاب سيؤدي إلى ترك الشقق فارغة وعدم جلب أي مداخيل للمستثمرين في المستقبل القريب.
هذه الوضعية لا تهدد أوروبا فقط، بل تمتد تأثيراتها إلى بلدان جنوب المتوسط، بما في ذلك الجزائر. تحتاج أوروبا إلى خيرة أبنائنا وعلمائنا وإطاراتنا الكفؤة، مما يفرض على بلداننا تحسين المحيط الاجتماعي الذي يريده المواطن ولجم التيارات الدينية التي جعلت حياة الإنسان جحيمًا. تسعى المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، إلى إصلاحات جذرية بعد سنوات من ابتعاث 30 ألف طالب سنويًا للخارج، حيث تدرك ضرورة خلق جو حياتي بعيدا عن التحريم والتكفير الذي ميز الوهابية والسلفية.
التحديات للحفاظ على نخبة بلداننا لا مثيل لها، إذ أن حاجات أوروبا ضخمة والمنافسة على استقطاب الكفاءات أعظم مما نتصور. إذا لم تتخذ دولنا الإجراءات اللازمة لتحسين أوضاعها الداخلية، فإنها ستواجه نزيفًا مستمرًا في مواهبها نحو أوروبا.
في النهاية، تصبح أفكار اليمين المتطرف أمام كتلة ناخبيها مهزلة ومضحكة، إذ تتناقض مع الواقع الاقتصادي الذي يفرض الحاجة إلى المهاجرين لضمان استدامة الاقتصاد الأوروبي.
لخضر فراط – صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي ببروكسل
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…