“تحالف الانقلابات” في حضن الرباط.. صفقة ضد الجزائر وضد إرادة الشعوب
يستغل النظام المغربي الظروف الجيوسياسية المعقدة في منطقة الساحل من أجل الترويج لمشروعه الاستراتيجي الذي يمنح دول “التحالف العسكري الثلاثي” (بوركينا فاسو، مالي، والنيجر) منفذًا على المحيط الأطلسي، يبدو أن الهدف الحقيقي يتجاوز البعد التنموي أو الاقتصادي، ليتموقع ضمن إطار أوسع من صراع النفوذ بين الجزائر والمغرب على الفضاء الساحلي الإفريقي.
استقبال العاهل المغربي محمد السادس لوزراء خارجية الدول الثلاث، والحديث عن “مشروع عملاق” يربط الساحل بالمحيط، ليس سوى واجهة دبلوماسية تخفي وراءها رغبة مكشوفة في تقويض الدور الجزائري في المنطقة، وضرب رمزية الجزائر كفاعل محوري وصاحب مبادرات تاريخية لحل النزاعات وتسوية الأزمات في إفريقيا، وخاصة بمنطقة الساحل التي تشكل امتدادًا استراتيجيًا طبيعيًا لأمن الجزائر القومي.
على عكس ما يُروّج له الإعلام المغربي وبعض المعلّقين الغربيين، فإن الحضور الجزائري في دول الساحل ليس ظرفيًا ولا نفعياً، بل يستند إلى روابط تاريخية وثقافية وجغرافية، وأساس من الثقة التي بنتها الجزائر عبر عقود من التعاون الأمني والدبلوماسي والتنموي. الجزائر كانت السباقة إلى دعم مالي في مواجهة الحركات الانفصالية والإرهابية، واحتضنت اتفاقات السلام في باماكو، وسعت دومًا إلى تجنيب المنطقة الانزلاق نحو الفوضى والتدخلات الأجنبية.
أما الاتهامات التي وُجهت مؤخرًا للجزائر من طرف سلطات باماكو ونيامي و واغادوغو، في سياق أزمة الطائرة المسيرة، فهي رد فعل على موقف الجزائر الثابت من الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول، ورفضها التماهي مع المنطق الانقلابي أو تسويقه كـ”بديل شرعي”، خاصة بعد إعلان انسحابها من “منظمة دول غرب إفريقيا” وتشكيلها لتحالف عسكري مغلق.
ما يُروَّج له كمشروع تنموي ضخم لربط الساحل بالمحيط الأطلسي عبر المغرب، يجب النظر إليه من زاوية سياسية دقيقة. فالهدف الأساسي هو تمرير الاعتراف بـ”مغربية” الصحراء الغربية من خلال فرض الأمر الواقع الجيوسياسي، وخلق تبعية اقتصادية لهذه الدول المغلقة جغرافيًا تجاه الرباط. إنها سياسة “المقايضة الاستراتيجية”: منفذ نحو البحر مقابل دعم موقف المغرب في نزاع الصحراء.
وهنا تتجلى خطورة المشروع المغربي، ليس فقط على الجزائر بل على مستقبل التكامل الإفريقي، إذ يُكرّس منطقة الساحل كفضاء تابع لرغبة دولة ملكية تسعى إلى لعب دور إقليمي أكبر من إمكانياتها، على حساب مبادئ تقرير المصير وحق الشعوب في اختيار شركائها وفقًا لمصالحها وليس وفقًا لمصالح نظام يسعى لإرضاء الغرب وتطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني على حساب قضايا التحرر.
الجزائر، من جهتها، لم تنخرط في سباق الاستعراضات الدبلوماسية، بل تواصل العمل عبر القنوات المؤسساتية الإفريقية والدولية، مؤكدة تمسكها بمبدأ عدم التدخل، وبمرافقة الشعوب الإفريقية نحو الاستقرار والتنمية المستدامة. وهي تدرك جيدًا أن هذه المناورات لن تصمد أمام منطق التاريخ والجغرافيا وروابط الشعوب.
الجزائر تراهن على علاقاتها العميقة مع المجتمعات المدنية والنخب السياسية في دول الساحل، وتدرك أن الرهان الحقيقي هو ربح ثقة الشعوب وليس كسب ولاء أنظمة انقلابية هشّة تبحث عن غطاء سياسي لتبرير عزلتها.
السؤال المركزي الذي يجب طرحه هو: من يستفيد من ضرب مكانة الجزائر في منطقة الساحل؟ وهل فعلاً المشروع المغربي يصب في مصلحة شعوب مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أم هو مجرد رافعة تخدم تطلعات النظام الملكي لتوسيع نفوذه وتمرير أجندات أسياده؟
الجواب واضح: من يريد الخير لشعوب الساحل لا يعقد الصفقات المشبوهة مع الأنظمة الانقلابية، ولا يستخدم التنمية كغطاء لشرعنة احتلال أراضٍ معترف بها دوليًا كإقليم غير متمتع بالاستقلال وتقرير المصير.
الجزائر باقية بثقلها الدبلوماسي والتاريخي، ولن تُختزل في أزمة طائرة مسيرة أو استقبال بروتوكولي في الرباط. أما مناورات المغرب، فلن تغيّر من حقائق الجغرافيا ولا من مواقف الشعوب الإفريقية التي تعرف جيدًا من وقف إلى جانبها زمن التحرر، ومن يريد اليوم أن يستعبدها باسم التجارة والموانئ.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…