ترامب يرسم حدود السلام على أنقاض غزة
توصلت الوفود المتفاوضة في شرم الشيخ بمصر إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة التي استمرت سنتين كاملتين، وأودت بحياة أكثر من سبعين ألف قتيل، مخلّفةً دمارًا شبه كامل في القطاع وتشريدًا وتجويعًا لمئات الآلاف من سكانه.
الاتفاق، الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من المنتظر أن يُكرَّس بحضوره الشخصي، إذ يُحتمل أن ينتقل إلى مصر للإشراف على مراسم التوقيع النهائي ومنح الاتفاق مظلّة حماية أمريكية رسمية. وكانت مفاوضات الفرصة الأخيرة قد جرت بوساطة مصرية-قطرية وبمشاركة تركية، في محاولة لتجنّب انهيار كامل للوضع الإنساني في غزة بعد عامين من الحرب المفتوحة.
خطة ترامب، التي تتضمن عشرين بندًا رئيسيًا، دخلت مرحلتها الأولى هذه الليلة بوقف القتال وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى مناطق محددة، مقابل تسليم حركة حماس كامل سلاحها، بعد حصولها على ضمانات أمنية تسمح بخروج قادتها من القطاع دون ملاحقة أو مصادرة لأموالهم، خصوصًا أولئك المقيمين في الخارج.
كما تنصّ الاتفاقية على وضع قطاع غزة تحت إدارة دولية مكوّنة من عدة دول، تُكلَّف بإعادة إعمار القطاع تحت إشراف أمريكي مباشر. وللتذكير، كان قطاع غزة قد انسحبت منه إسرائيل في وقت سابق ليخضع لسلطة السلطة الفلسطينية وفق اتفاقيات أوسلو، وكان مؤهلًا ليصبح واجهة الدولة الفلسطينية عبر إنشاء مطار دولي وميناء بحري يطلان على المتوسط، إلى جانب ممرّ آمن يربط غزة بالضفة الغربية دون تدخل إسرائيلي.
بُني المطار الذي دشنه الرئيس الراحل ياسر عرفات، قبل أن تبدأ إسرائيل حملة تدمير ممنهجة لكل معالم الدولة الفلسطينية الوليدة. القصة عادت إلى نقطة الصفر عندما سيطرت حركة حماس على القطاع، بعد مواجهات دامية مع حركة فتح أسفرت عن مقتل نحو 800 فلسطيني وجرح الآلاف، ما أدى إلى فصل غزة عن السلطة الفلسطينية، ومنح إسرائيل الذريعة الكاملة لتدمير المطار والبنية التحتية للمشروع الوطني الفلسطيني. وللتذكير، فإن حركة حماس لم تكن تؤمن أصلًا بمشروع الدولة الفلسطينية، ولم ترفع شعارها إلا بعد الكارثة التي لحقت بها مؤخرًا.
اليوم، يبدو أن مشروع تفكيك الدولة الفلسطينية الذي بدأ مع اتفاقيات أوسلو، وصل إلى نهايته الحتمية، إذ سيُدار قطاع غزة وفق نظام حكم دولي بقيادة أمريكية، كما جاء في بنود خطة ترامب. ومهما كانت المواقف، فقد عمّت مظاهر الفرح في القطاع فور إعلان وقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو الاستقرار، في انتظار المرحلة التالية من الاتفاق التي تتعلق بـ تبادل الأسرى والرهائن والجثث بين الجانبين، وهي مفاوضات لا تزال جارية حتى الآن.
غزة، بعد سنتين من الحرب، فقدت كل مظاهر الحياة. أكثر من 70 ألف قتيل، وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين، وآلاف الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض دون إحصاء دقيق حتى اللحظة. الدمار شامل، والذاكرة مثقلة بالوجع، لكن رغم كل شيء، يبقى الأمل عند كل فلسطيني وعربي أن يدوم هذا الاتفاق، وأن تتوقف الحرب — لا مؤقتًا، بل إلى غير رجعة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…