ترامب.. يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله به عدوه
بدأت تتضح بشكل جلي خطورة قرارات دونالد ترامب على الاقتصاد الأمريكي، وظهرت أولى المؤشرات على هذه الخطورة من اليابان، التي اختارت، في سرية تامة، التخلص من مليارات الدولارات من سندات الخزينة الأمريكية، مما ترك الإدارة الأمريكية في موقف محرج لم تتمكن من تبريره.
هذا التحرك الياباني جاء كرد فعل على فرض ترامب رسوماً جمركية على السيارات اليابانية، رغم أن اليابان كانت من أولى الدول التي طورت سيارات هجينة وصديقة للبيئة، وأنفقت مليارات الدولارات لتطوير هذه التقنيات. هذا القرار أثّر بشكل بالغ على صورة اليابان كحليف دائم للولايات المتحدة، بل دفعها إلى التقارب مع الصين والتحالف معها ضد أمريكا.
أما الرد الصاعق الثاني فجاء من كندا، التي بدأت تفكر في شراء غواصات نووية من فرنسا لتعويض غواصاتها القديمة، بالإضافة إلى توجهها نحو أستراليا لشراء نظام رادار حديث لمراقبة سمائها. أما الأثر الأكبر فتمثل في بدء كندا التباحث مع أوروبا لاستبدال صفقة طائرات F-35 الأمريكية، بعد أن قررت إيقاف الطلبية السابقة والتوجه نحو طائرات “يوروفايتر” الأوروبية، وذلك في ظل القلق من أن الطائرات الأمريكية قد تبقى تحت سيطرة أمريكا من خلال نظام التحديث التلقائي. كندا أيضاً تعرّضت لرسوم جمركية على الألومنيوم والفولاذ، مما تسبب في أزمات اقتصادية داخل أمريكا وكندا على حد سواء.
تُظهر هذه الأمثلة أن الدول الحليفة التقليدية لأمريكا بدأت تفقد الثقة في حليفها، وهو ما سيكون له تأثير سلبي بالغ على السياسات الاقتصادية والعسكرية. عندما يتحالف حلفاؤك وأعداؤك ضدك، فإنك ستكون الخاسر الأكبر.
أما الصين، فقد كانت تستعد للرد على ترامب لمدة عامين بعد فرضه الرسوم الجمركية على سلعها، وعندما جاء الرد، كان قويًا بما يكفي لتدمير الاقتصاد الأمريكي وعودته سنوات إلى الوراء. قرارات ترامب العشوائية قد تضر باقتصاد بلاده بشكل غير مسبوق، خاصة في ظل التراجع الحاد في البورصة الأمريكية، حيث انخفضت سندات الخزينة الأمريكية لأول مرة منذ 40 عامًا، وهو ما يشير إلى فقدان الثقة في الدولار والاقتصاد الأمريكي، ما يعني أن ترامب قد يكون السبب في تدمير الدولار، وهو ما كان يسعى لتجنبه.
بدأت الصين في فرض رسوم جمركية بلغت 125% على العديد من المنتجات الأمريكية، واستبدلت اللحوم الأمريكية بإنتاج روسي، وفتحت مزارع ضخمة في سيبيريا لتربية الأبقار. كما استبدلت فول الصويا الأمريكي بالفول البرازيلي، وبدأت تعميم استخدام اليوان الإلكتروني في تعاملاتها التجارية، ما عزز من انتشار العملة الصينية على حساب الدولار. كما توقفت الصين عن تصدير الأتربة النادرة التي تدخل في تصنيع التكنولوجيا الحديثة إلى أمريكا، وألزمتها برخص خاصة للتصدير.
الاتحاد الأوروبي تأثر أيضًا بسياسات ترامب وبدأ يقترب من الصين للبحث عن تفاهمات تجنّب فرض الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية، في خطوة من شأنها أن تساهم في تجنّب الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها رسوم ترامب.
ترامب جعل حلفاءه يبتعدون ويتجهون نحو تحالفات جديدة، بينما بدأت الثقة بأمريكا تتلاشى دوليًا، وهو ما سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد الأمريكي. الثقة هي الأساس في العلاقات الاقتصادية والعسكرية، وعندما يفقدها الحلفاء، ستكون الكارثة الاقتصادية مؤكدة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…