‫الرئيسية‬ في الواجهة أحوال الناس أحوال الجالية تقرير برلماني فرنسي يستهدف الجالية الجزائرية!
أحوال الجالية - أحوال الناس - الأولى - ‫‫‫‏‫6 ساعات مضت‬

تقرير برلماني فرنسي يستهدف الجالية الجزائرية!

تقرير برلماني فرنسي يستهدف الجالية الجزائرية!
أثار تقرير برلماني جديد في فرنسا عاصفة من الجدل السياسي والإعلامي بعد أن تسربت تفاصيله إلى وسائل إعلام معروفة بقربها من اليمين المتطرف، قبل عرضه رسمياً في الجمعية الوطنية. ويتعلق التقرير، الذي أعده نائبان من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، بملف الهجرة الجزائرية واتفاقية عام 1968 التي تنظّم دخول وإقامة الجزائريين في فرنسا، وهي اتفاقية تاريخية تُعد من ركائز العلاقات الثنائية بين البلدين. غير أن محتوى التقرير وطريقة ترويجه يكشفان عن نية سياسية واضحة لتغذية الجدل حول المهاجرين الجزائريين وتقديمهم كعبء اقتصادي واجتماعي على الدولة الفرنسية.

أعدّ التقرير كل من النائبين شارل رودويل وماتيو لوفيفر، المنتميين لحزب النهضة (EPR) المقرّب من الرئيس ماكرون، وقد تم تسريبه إلى مجلتي “لو بوان” و“لو جورنال دو ديمانش”، وهما وسيلتان إعلاميتان معروفتان بخطابهما القومي المتشدد. ويكشف هذا التسريب المتعمّد عن محاولة واضحة لتوجيه الرأي العام الفرنسي نحو مواقف أكثر تشدداً حيال الجالية الجزائرية. وقد وصف العديد من المراقبين التقرير بأنه “الأكثر عدائية” تجاه المهاجرين الجزائريين منذ عقود، إذ يقدمهم كفئة مستفيدة من امتيازات “غير مبررة” على حساب دافعي الضرائب الفرنسيين، زاعماً أن كلفة الهجرة الجزائرية تبلغ ملياري يورو سنوياً، وهو رقم لا يستند إلى دراسات موثوقة بل إلى تقديرات سياسية تخدم خطاباً انتخابياً يزداد حدة مع اقتراب الاستحقاقات المحلية المقبلة.

يتناول التقرير اتفاقية 1968 بوصفها “نصاً تمييزياً” يمنح الجزائريين تسهيلات استثنائية في الإقامة والعمل والتنقل مقارنة ببقية الجنسيات الأجنبية. كما يهاجم نظام “لمّ الشمل العائلي” الذي يتيح للجزائريين المقيمين في فرنسا استقدام أسرهم، ويخصّ بالذكر نظام “الكفالة”، منتقداً طلبات الكفالة التي قُدمت سنة 2024 لتبني نحو 340 طفلاً يتيماً. ويزعم معدّو التقرير أن هذا النظام يُستغل لتسهيل الهجرة غير المباشرة، متجاهلين أن الكفالة تخضع لضوابط صارمة وأنها تمثل نسبة ضئيلة من مجمل طلبات الإقامة. وفي هذا السياق، أوضح الأستاذ سيرج سلامة، أستاذ القانون العام بجامعة غرونوبل، أن الكفالة نظام استثنائي نادر التطبيق، ولا يمكن اعتباره باباً مفتوحاً للهجرة، ما يدحض التعميمات التي يروّجها التقرير.

ويمضي معدّو التقرير إلى القول إن الهجرة الجزائرية “ذات طابع عائلي” في معظمها، وأن الغالبية من الجزائريين المقيمين في فرنسا يعيشون على المساعدات الاجتماعية أو يعانون من البطالة، مضيفين أن هؤلاء يستفيدون مما وصفوه بـ“الامتيازات المتسلسلة” التي تشمل تسهيلات في الحصول على الإقامة الدائمة، وفي حالات الزواج من مواطنين فرنسيين. ويذهب التقرير إلى حد القول إن الزواج المختلط يُستغلّ للحصول على أوراق الإقامة، مشيراً إلى أنه في عام 2022 مُنحت ستة آلاف بطاقة إقامة تحت تصنيف “زوج أو زوجة فرنسي”، ولم يُجدّد منها سوى 13 في المئة في السنة الموالية، وهو ما اعتبره معدّوه دليلاً على انتشار الزيجات الصورية أو القصيرة الأجل.

ويزعم التقرير أن السلطات الفرنسية تواجه صعوبات في سحب بطاقات الإقامة الطويلة الأمد من الجزائريين، لأن اتفاقية 1968 لا تنص على إمكانية الإلغاء أو عدم التجديد حتى في حالة الإخلال بالنظام العام. غير أن هذا الادعاء يتعارض مع الوقائع الميدانية، إذ شهد عام 2024 سحباً جماعياً لعشرات بطاقات الإقامة التي تخص جزائريين، من بينهم شخصيات معروفة، الأمر الذي تسبب حينها في توتر دبلوماسي بين باريس والجزائر. وهو ما يكشف عن أن التقرير لا يقدم صورة واقعية بقدر ما يعكس توجهاً سياسياً يرمي إلى التشكيك في الأسس القانونية للعلاقات الفرنسية الجزائرية.

ويقترح معدّو التقرير إنهاء العمل باتفاقية 1968 عبر استناد دستوري، مستندين إلى المادة الأولى من الدستور الفرنسي التي تنص على المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون. ويرى النائبان أن هذه المادة تتيح “إلغاء التمييز الإيجابي” الذي تمنحه الاتفاقية للجزائريين، وبالتالي “توحيد” وضعهم القانوني مع بقية الأجانب المقيمين في فرنسا. ويعتبر هذا المقترح بمثابة محاولة لنسف الاتفاق من جذوره، بعد أن ظلّ موضوعاً حساساً على مدى العقود الماضية بسبب رمزيته التاريخية ومكانته الخاصة في العلاقات الثنائية.

ولم تمرّ هذه المقترحات دون ردود فعل داخل الأوساط السياسية الفرنسية، حيث وصف مسؤول في وزارة الخارجية التقرير بأنه “كاريكاتوري” ومليء بالأخطاء الواقعية، مؤكداً أن معدّيه “انطلقوا من فرضيات مسبقة سعوا لتأكيدها بدلاً من تحليل الواقع كما هو”. وأضاف أن مثل هذه التقارير لا تسهم في معالجة قضايا الهجرة بقدر ما تؤجج التوتر الاجتماعي وتغذي خطاب الكراهية. ويرى مراقبون أن ما يجري ليس سوى حلقة جديدة في الصراع السياسي الفرنسي الداخلي، حيث يستغل اليمين المتطرف ملف الهجرة الجزائرية كورقة ضغط انتخابية، بينما يسعى بعض النواب المحسوبين على الوسط لتبني خطاب أكثر تشدداً سعياً لامتصاص جزء من أصوات الناخبين المتأثرين بالدعاية اليمينية.

وتأتي هذه التطورات في سياق أوسع يشهد فيه المجتمع الفرنسي انقساماً حاداً حول قضية الهجرة والهوية الوطنية. فبينما ترتفع الأصوات المطالبة بتشديد الرقابة على الحدود وتقليص الامتيازات القانونية للمهاجرين، يؤكد آخرون أن مثل هذه المقاربات الشعبوية لن تؤدي سوى إلى مزيد من الانغلاق والتوتر مع الدول الشريكة، وفي مقدمتها الجزائر، التي تعتبر اتفاقية 1968 جزءاً لا يتجزأ من توازن العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

“سباي إكس”.. سلاح صهيوني على حدود الجزائر!

لم يعد ما يجري بين المغرب والكيان الصهيوني مجرد تعاون عسكري محدود أو تبادل تقني عابر، بل ت…