تكريمًا لعُمّال المناجم الجزائريين: مونس البلجيكية تستعد لاحتضان تظاهرة “ذاكرة هجرة.. إرث نضال”
تتهيّأ مدينة مونس البلجيكية لتحتضن واحدة من أهم التظاهرات الرمزية التي تُعنى بإحياء الذاكرة الجماعية للهجرة الجزائرية إلى أوروبا، وذلك في موعد منتظر يوم السبت 21 جوان 2025، حيث تنظم دائرة الجزائريين في بلجيكا فعالية ثقافية وتاريخية تحمل عنوانًا بليغًا: “ذاكرة هجرة.. إرث نضال”، وهي تظاهرة خصصت لتكريم عُمّال المناجم الجزائريين الذين نزحوا منذ بدايات القرن العشرين إلى شمال فرنسا وبلجيكا، وساهموا في بناء اقتصاد هذه الدول بعرقهم، كما أسّسوا من قلب الغربة أولى بذور الوعي السياسي والنضال التحرّري.

هذه الفعالية، التي سيحتضنها فضاء IMAGIX بمدينة مونس، ستجمع بين استحضار الماضي وتكريم من صنعوه بصمت، في أمسية يُرتقب أن يحضرها سعادة سفير الجزائر لدى بلجيكا، والنائب عن الجالية في المنطقة الرابعة السيد إبراهيم دخينات، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني، ومثقفين ومؤرخين وأبناء الجالية الجزائرية المقيمة في بلجيكا وشمال فرنسا.
وسيبدأ البرنامج في حدود الساعة الثانية زوالًا، باستقبال الضيوف، لتُفتتح التظاهرة رسميًا بكلمتين لكل من السفير والنائب، يستعرضان فيها أهمية هذه الذكرى في ظل التحولات الراهنة، وضرورة تثبيت الذاكرة الجماعية باعتبارها مكونًا من مكونات الهوية الجزائرية في الخارج.
وفي تمام الساعة الثالثة مساءً، سيُعرض فيلم وثائقي بعنوان “الوجوه السوداء للاستقلال – Les Gueules Noires de l’Indépendance”، يوثّق ببراعة نضالية بدايات الهجرة الجزائرية إلى أوروبا منذ عام 1909، مع التركيز على عمال المناجم الذين اشتغلوا في ظروف قاسية تحت الأرض، وتحولوا إلى خلايا حية دعمت القضية الجزائرية حتى الاستقلال.
ويُسلّط الفيلم الضوء على محطات تاريخية مهمة مثل تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا سنة 1925 في شمال فرنسا، بفضل وجود الآلاف من العمال الجزائريين الذين أصبحوا قاعدة جماهيرية متقدمة للنضال الوطني. كما يستعرض مشاركة الزعيم مصالي الحاج في مؤتمر بروكسل سنة 1927، حيث رفع لأول مرة في المحافل الأوروبية مطلب استقلال الجزائر.
ولا يغيب عن التظاهرة التذكير بـ المظاهرات الدامية لسنة 1953 في شمال فرنسا، التي شارك فيها آلاف العمال، فضلًا عن دورهم في جمع التبرعات ودعم جبهة التحرير الوطني خلال الثورة الجزائرية، مما جعلهم امتدادًا للنضال الوطني في الخارج، ولو من داخل مناجم الفحم والحديد.
وسيعرف اللقاء عرض شهادات حيّة من أبناء وأحفاد عمّال المناجم، يتقاسمون فيها حكايات شخصية عن حياة القسوة والصمود، وكيف كانوا يشاهدون آباءهم يعودون من باطن الأرض بملامح سوداء من الفحم لكن بقلوب تخفق بالوطن.
كما سيتم تنظيم معرض أرشيفي للصور والوثائق الأصلية، توثيقًا لذاكرة هجرتنا الأولى، يتخلله عرض مسرحي رمزي يحاكي يوميات العامل المنجمي، ومعاناته اليومية، وتطلعاته للعودة، والانتماء، والحرية.
وسينتهي الحدث بـ حفل موسيقي تراثي جزائري يُعيد ربط الأجيال بجذورها، ويُختتم بتكريم رمزي لعائلات من فقدوا ذويهم داخل المناجم، تقديرًا لعطائهم ووفاءً لذكراهم.
هذه التظاهرة ليست مجرد احتفال، بل محاولة لاسترجاع صفحة مغيّبة من تاريخ الجزائر الحديث، تأكيدًا على أن الهجرة لم تكن قط هروبًا من الواقع، بل شكلت في بعض محطاتها فعلًا من أفعال المقاومة والصمود.
وستتحول مونس، بهذه المناسبة، من مدينة بلجيكية إلى محفل رمزي لإعادة الاعتبار لذاكرة عمال لم تكتب أسماؤهم في كتب التاريخ، لكنها رُسِمت في وجدان الشعوب عبر الفحم والدم والكرامة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …