حرب الجيل الرابع تستهدف شباب الجزائر
لا يستطيع المتابع أن يتخيل حجم الحرب التي تُشنّ على الجزائر حين يطالع الأرقام التي أعلنتها وزارة الدفاع الوطني حول عمليات الإتلاف الأخيرة، أكثر من 13 طناً من الكيف المعالج، و673 كلغ من الكوكايين، وأكثر من 15 مليون قرص مهلوس. هذه الأرقام المرعبة ليست مجرد محجوزات متفرقة، بل مؤشراً واضحاً على أن الجزائر تواجه استهدافاً منظماً يجسد جوهر حروب الجيل الرابع، حيث تتحول المخدرات إلى أداة لضرب الدول من الداخل بدلاً من مواجهتها عسكرياً.
إنّ ضخامة هذه الكميات، وتكرار محاولات إدخالها عبر حدود متعددة، يؤكد أننا أمام هجوم غير متماثل تقوده شبكات دولية عابرة للحدود، تستخدم سموم المخدرات كسلاح لزعزعة الاستقرار، وإضعاف المجتمع، واستهداف فئة الشباب التي تمثل الركيزة الأساسية لأي نهضة وطنية. وهكذا تصبح المخدرات إحدى أدوات الاستهداف الهجين الذي يجمع بين الفوضى الاجتماعية والجريمة المنظمة والضغط على منظومة الأمن الوطني.
وقد جاءت العمليات الجهوية التي نفذتها خمس نواحٍ عسكرية—من الشلف وتلمسان مروراً ببشار وبسكرة وصولاً إلى قسنطينة—لتؤكد أنّ الدولة تدرك طبيعة هذا الخطر وتتعامل معه بحزم بالغ. جرت عمليات الإتلاف بإشراف السلطات القضائية والأمنية، وفي ظروف تنظيمية محكمة تحترم معايير السلامة وحماية البيئة، ما يعكس تعبئة مؤسسات الدولة كافة لمواجهة هذه الحرب الناعمة.
وفي هذا السياق، لم تكتفِ الجزائر بالتصدي الأمني وحده، بل عززت هذا الجهد بترسانة قانونية قوية بعد مصادقة البرلمان على القانون رقم 25-03 المعدِّل والمتمم للقانون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية. ويُعد هذا القانون من أكثر القوانين صرامة في المنطقة، إذ ينصّ على عقوبات مشددة تصل إلى الإعدام في الجرائم الخطيرة المرتبطة بالتهريب والمتاجرة الدولية بالمخدرات، خصوصاً إذا كانت لها صلة بالجريمة المنظمة، أو تسببت في وفاة، أو شكّلت تهديداً للأمن الوطني. كما يشدد العقوبات في حالات استغلال القصر أو ارتكاب الجريمة قرب المؤسسات التعليمية، ويضع تدابير خاصة بحق المتورطين الأجانب، من منع الإقامة إلى إجراءات ترحيل صارمة.
بهذا التكامل بين القبضة الأمنية والردع القضائي، توجه الدولة رسالة واضحة مفادها أن الحرب على المخدرات ليست مجرد مسعى داخلي، بل معركة وجودية لحماية أمن البلاد ومناعة شبابها.
لكن مهما كانت صرامة القانون وقوة الأجهزة الأمنية والقضائية، فإن هذه الحرب لا يمكن أن تُحسم دون انخراط المجتمع نفسه. فحروب الجيل الرابع تُخاض داخل المجتمع، وتستهدف العائلة والمدرسة والحي والمؤسسة. ولذلك يُعدّ المواطن خط الدفاع الأول عبر الوعي، وحماية الأبناء، والإبلاغ عن الشبكات المشبوهة، ودعم مجهود الدولة في حماية المستقبل الجماعي.
إن أمن الجزائر ومستقبل شبابها واجب جماعي تتقاسم مسؤوليته الدولة والمجتمع. وعندما يلتقي وعي المواطن بصرامة القانون وفعالية المؤسسة الأمنية، تتحول الجزائر من بلد مستهدف… إلى بلد عصيّ على الاختراق، قادر على إفشال أي “هجوم هجين” يهدف إلى ضرب استقراره. هذا هو جوهر المعركة اليوم، حرب من الجيل الرابع تُخاض بالسموم بدلاً من السلاح، وبالوعي والصمود تُكسب نهايتها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
“ريفولوشن”.. نقلة نوعية في خدمات الاتصالات بفضل موبيليس
أطلقت موبيليس رسميًا الجيل الجديد من عروضها تحت تسمية “ريفولوشن”، في خطوة تؤكد…






