‫الرئيسية‬ الأولى خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية والتموقع الإقليمي.. الجزائر تدخل رسميًا عصر الجيل الخامس

خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية والتموقع الإقليمي.. الجزائر تدخل رسميًا عصر الجيل الخامس

خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية والتموقع الإقليمي.. الجزائر تدخل رسميًا عصر الجيل الخامس
أطلقت الجزائر رسميًا آخر مرحلة تمهيدية قبل دخولها عصر الجيل الخامس من خدمات الهاتف النقال، بعد أن أعلنت وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، يوم الخميس 29 ماي 2025، عن فتح مناقصة وطنية مخصصة لتقنيات الجيل الخامس، من خلال سلطة ضبط البريد والاتصالات الإلكترونية (ARPCE). وتُعد هذه الخطوة إعلانًا رسميًا بانطلاق مرحلة جديدة من التحول الرقمي في البلاد، يُرتقب أن تُتوّج بإطلاق فعلي للخدمة خلال الثلاثي الثالث من السنة الجارية.

هذا الإعلان يُعَدّ تتويجًا لجهود متواصلة منذ سنوات، سواء على مستوى تجهيز البنية التحتية أو على صعيد التحضير القانوني والتكنولوجي. ويمثل أيضًا ترجمة عملية للتوجه الاستراتيجي المعلن من قبل السلطات العليا في الدولة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد مرارًا أن «السيادة الرقمية جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية»، في عالم باتت فيه التكنولوجيات المتقدمة أداة رئيسية في معادلات النفوذ السياسي والاقتصادي.

الوزارة أكدت، في بيانها الرسمي، أن الجزائر «تدخل رسميًا عصر الجيل الخامس» وأن هذه الخطوة «تشكل مرحلة استراتيجية نحو الريادة الرقمية الإقليمية»، مشيرة إلى أن عملية نشر الشبكة ستبدأ تدريجيًا انطلاقًا من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والمناطق الصناعية، ما يعكس حرص الدولة على الاستجابة لأولويات التنمية المحلية وتحفيز بيئات الأعمال ذات القيمة المضافة.

ووفقًا للبيان ذاته، ستنتهي المناقصة التقنية يوم 1 جوان المقبل، على أن يتم منح التراخيص المؤقتة في 3 جويلية، تزامنًا مع الذكرى الثالثة والستين لاسترجاع السيادة الوطنية. أما إطلاق الخدمة الفعلي فسيتم خلال الفصل الثالث من السنة الجارية، ما يعني أن المواطنين والمؤسسات سيبدأون قريبًا في الاستفادة من مزايا هذه التقنية التي تُعدّ من بين أبرز رموز التحول الرقمي العالمي.

وتؤكد الوزارة أن دفتر الشروط المعتمد «يتماشى مع أفضل المعايير الدولية»، وقد تمّ إعداده وفقًا لمبدأي الشفافية والانفتاح، بما يضمن بيئة تنافسية قادرة على استقطاب كبار المتعاملين الدوليين في هذا المجال، من جهة، وتشجيع الابتكار المحلي وبروز شركات ناشئة وطنية متخصصة، من جهة أخرى.

القطاعات التي تم تحديدها كأولوية للاستفادة من الجيل الخامس تشمل المدن الذكية، والصناعة 4.0، والصحة الرقمية، والتنقل الذكي. وهي مجالات تشكّل، عالميًا، مداخل أساسية للنمو الاقتصادي في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وتتماهى تمامًا مع ما تسعى الجزائر إلى تحقيقه ضمن رؤيتها التنموية الممتدة إلى آفاق 2030.

ولا يمكن فصل هذا التقدم عن الخلفية السياسية والاستراتيجية الأوسع. فوفق ما أكده البيان، فإن هذا التطور «جاء بناءً على تعليمات سامية من رئيس الجمهورية، تدعو إلى تعميق الدراسات حول الأبعاد التكنولوجية والمالية ذات الصلة، من أجل تحقيق قفزة نوعية تُمكن الجزائر من التموقع كمحور تكنولوجي إفريقي ومتوسطي».

وتعكس هذه المقاربة رغبة الدولة في تجاوز دور المستهلك للتكنولوجيا إلى موقع الفاعل والمبادر، عبر ربط إطلاق الجيل الخامس ببناء منظومة رقمية شاملة تشمل البنية التحتية، والقوانين، وتكوين الكفاءات، وتحفيز الاقتصاد الرقمي، وتثمين المحتوى المحلي.

ولا شك أن هذه الخطوة، وإن جاءت في سياق إقليمي متسارع يشهد دخول العديد من دول الجوار سباق الجيل الخامس، فإنها تعبّر عن قرار سيادي بأبعاد استراتيجية متعددة: فمن جهة، تسعى الجزائر إلى تقليص الفجوة التكنولوجية بينها وبين الدول الصناعية، ومن جهة أخرى، تريد أن تضمن تحكمًا داخليًا في منظومتها السيبرانية، في وقت تتزايد فيه التهديدات المرتبطة بحروب البيانات والسيطرة على الفضاء الرقمي.

ويبقى التحدي الأساسي في المرحلة المقبلة هو ضمان نجاعة التنفيذ وفعالية الإشراف، حتى لا تتحول هذه الوعود إلى مجرد شعارات. فالتقنية وحدها لا تكفي، ما لم تُرافقها بيئة قانونية محفزة، واستثمار في رأس المال البشري، وتعاون فعّال بين القطاعين العام والخاص.

إن الجزائر، اليوم، لا تكتفي بالدخول في سباق التكنولوجيا، بل تسعى إلى أن تكون فاعلاً فيه، وأن تبني اقتصادًا معرفيًا حقيقيًا يكون قادراً على خلق الثروة، واحتضان المواهب الشابة، وفرض موقعها في المنظومة الرقمية العالمية، لا كمجرّد سوق استهلاكية، بل كمصدر للابتكار ومركز للحلول.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…