سعيود: “لا نستخدم الهجرة كورقة ضغط أو ابتزاز سياسي”
طالبت الجزائر السلطات الإسبانية بإعادة سبعة فتيان جزائريين وصلوا إلى الأراضي الإسبانية بطريقة غير شرعية على متن قارب نزهة صغير، في حادثة أثارت اهتماماً واسعاً في البلدين وأعادت إلى الواجهة ملف الهجرة غير النظامية للقُصّر. وأعلن وزير الداخلية الجزائري، السعيد سعيود، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسباني فرناندو غراندي-مارلاسكا في الجزائر العاصمة، أن الجانبين توصلا إلى “اتفاق على مواصلة الجهود من أجل إعادة القُصّر السبعة المتواجدين حالياً في إسبانيا”، مضيفاً أن “السلطات الجزائرية زوّدت نظيرتها الإسبانية بجميع الوثائق والمعلومات المطلوبة من الجهات القضائية”. وأعرب الوزير عن أمله في أن “تكون هناك استجابة قريبة من الجانب الإسباني لطلب الجزائر”.
من جهته، أوضح الوزير الإسباني أن بلاده تتابع الملف قضائياً، مشيراً إلى أن “النيابة العامة الإسبانية تقوم بتحليل جميع الوثائق التي أرسلتها السلطات الجزائرية”، مؤكداً أن أولياء القُصّر السبعة “قدّموا طلبات رسمية لاستعادتهم وممارسة سلطتهم الأبوية عليهم”. وأضاف أن الإجراء “قانوني بحت ويجري وفق المساطر القضائية المعمول بها في إسبانيا”.
وتعود تفاصيل القضية إلى مطلع شهر سبتمبر الماضي، حين فوجئ الجزائريون بصور ومقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر سبعة مراهقين، أحدهم يبلغ من العمر 14 عاماً فقط، على متن قارب نزهة صغير أبحر من الساحل الجزائري ووصل إلى جزيرة إيبيزا الإسبانية على بعد نحو 300 كيلومتر من الشاطئ الجزائري. ما أثار تساؤلات حول ظروف تمكنهم من القيام بهذه الرحلة الخطيرة بمفردهم.
وفي المؤتمر الصحافي نفسه، كشف الوزير سعيود أن الجزائر وإسبانيا اتفقتا على “إعادة بعث بروتوكول التعاون في مجال إعادة المهاجرين غير الشرعيين”، وهو اتفاق كانت العلاقات الثنائية قد شهدت جموداً في تفعيله خلال السنوات الأخيرة. وأوضح أن هذا البروتوكول سيسمح بتسريع إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، مع ضمان احترام كرامتهم وحقوقهم القانونية. كما أعلن أن الجزائر نجحت خلال عامي 2024 و2025 في “منع أكثر من مئة ألف محاولة عبور غير شرعي نحو أوروبا”، وأعادت “ما يزيد عن 82 ألف مهاجر إلى بلدانهم الأصلية”، دون تحديد تلك الدول التي غالباً ما تنتمي إلى منطقة الساحل الإفريقي.
وفي تصريح هو الأبرز خلال اللقاء، شدد الوزير الجزائري على أن بلاده “تتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية بمسؤولية كبيرة، ولا تستخدمها بأي شكل من الأشكال كورقة ضغط أو ابتزاز سياسي كما تفعل بعض الجهات”. وأضاف أن “الجزائر تعتبر الهجرة تحدياً إنسانياً وأمنياً مشتركاً، وليست وسيلة للمساومة مع شركائنا الأوروبيين”، مؤكداً أن بلاده “تتبنى مقاربة متوازنة تحترم القانون الدولي الإنساني وتستند إلى التعاون الثنائي الصادق”. هذا التصريح الذي وصفه مراقبون بأنه رسالة سياسية مباشرة، يأتي في وقت يشهد فيه ملف الهجرة توتراً في العلاقات بين دول شمال إفريقيا والاتحاد الأوروبي.
وأشار سعيود إلى أن “التنسيق الثنائي مع إسبانيا يُعدّ ركيزة أساسية لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال تبادل المعلومات وتفعيل الآليات المشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة المرتبطة بشبكات تهريب البشر”، مؤكداً أن بلاده “تتعامل بصرامة مع هذه الشبكات التي تستغل حاجة الشباب وتدفعهم إلى المخاطرة بأرواحهم في عرض البحر”.
من جانبه، ثمّن الوزير الإسباني مستوى التعاون الأمني بين البلدين، معتبراً أن “الجزائر شريك موثوق في إدارة قضايا الهجرة والأمن”. وأكد أن مدريد “تُقدّر الجهود التي تبذلها السلطات الجزائرية للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر البحر الأبيض المتوسط”، مشيراً إلى أن البلدين يعملان على تعزيز التنسيق في هذا المجال عبر آليات مشتركة وإجراءات عملية لتأمين الحدود البحرية.
وتأتي هذه التطورات في ظل ارتفاع لافت في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من الجزائر باتجاه السواحل الإسبانية. ووفقاً لبيانات وكالة حرس الحدود الأوروبية (فرونتكس)، فقد ارتفع عدد العابرين عبر طريق غرب البحر الأبيض المتوسط بنسبة 22 في المئة منذ بداية عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما شكّلت محاولات المغادرة من السواحل الجزائرية أكثر من 90 في المئة من أصل 11,791 عملية عبور تم رصدها خلال الأشهر الماضية. وتشير هذه الأرقام إلى أن الجزائر ما تزال من أبرز نقاط الانطلاق في مسار الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، رغم الجهود الأمنية المكثفة التي تبذلها السلطات للحد من الظاهرة.
وبينما تنتظر الجزائر استجابة رسمية من إسبانيا بشأن ترحيل القُصّر السبعة، يؤكد الطرفان عزمهما على مواصلة التنسيق الوثيق في قضايا الهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة، في إطار شراكة قائمة على التعاون المتبادل واحترام السيادة. وتُعد هذه القضية اختباراً جديداً لعمق العلاقات الجزائرية الإسبانية، التي تسعى الحكومتان إلى تعزيزها بعد فترة من الفتور، خاصة في الملفات الحساسة التي تمسّ الهجرة والأمن والحدود.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
وزير الداخلية الفرنسي يكشف اتصالًا رسميًا من الجزائر
تلوح في الأفق بوادر انفراج حذرة في العلاقات الجزائرية – الفرنسية بعد أشهر من الجمود والتوت…







