‫الرئيسية‬ الأولى شهادات صنصال تفضح الإعلام الفرنسي
الأولى - الافتتاحية - رأي - ‫‫‫‏‫37 دقيقة مضت‬

شهادات صنصال تفضح الإعلام الفرنسي

شهادات صنصال تفضح الإعلام الفرنسي
الخرجات الإعلامية لبوعلام صنصال، التي يبدو أنها مبرمجة ومُحضّر لها من قصر الإليزيه نفسه، فضحت الإعلام الفرنسي وأحرجته إلى حدّ الإهانة. وقد رأينا بوضوح كيف بدت وجوه الصحفيين الذين استضافوه على البلاتوهات غير راضية بما يسمعونه، وكأنهم كانوا ينتظرون منه أن يحكي قصص تعذيب أو معاملة لا إنسانية، ولو كانت مختلَقة، حتى يرضوا بها ويشيّدوها كدليل جديد على خطابهم العدائي المعتاد تجاه الجزائر. هؤلاء الذين يُشهرون مبادئ حقوق الإنسان كلما تعلق الأمر بالجزائر، بينما يعتبرون مجازر نتنياهو “عملاً شرعياً” أو حتى “ضرورياً”. هذه هي الازدواجية الأخلاقية التي تأسس عليها جزء كبير من الإعلام الفرنسي اليوم.

المشكلة أن الحالة الصحية لبوعلام صنصال جاءت بعكس ما كانوا ينتظرون تماماً. الرجل ظهر بصحة أفضل مما كانت عليه قبل دخوله السجن، بوجه مرتاح ومُشرق، كمن نال قسطاً وافراً من العناية. وهنا كان أول ارتباك واضح لدى الإعلام الفرنسي، كيف يمكن أن يروجوا لصورة “السجون الجزائرية المرعبة” بينما الضيف الذي جاؤوا به ليؤكد روايتهم يُكذّبها بملامحه قبل كلامه؟

زاد الإحراج حين تحدث صنصال بكل وضوح عن تجربته، واصفاً سنة سجنه بأنها “عادية”، بل وأشاد بالمستوى الطبي الذي حظي به، قائلاً إن الرعاية الصحية كانت ممتازة، والأطباء ودودون ومهنيون وجادون في علاجهم له. هذا الكلام لا ينسجم نهائياً مع ما كان ينتظره الإعلام الفرنسي، ولا مع خطاب الكراهية والضغينة الذي يحمله بعضهم تجاه الجزائر. ولذلك رأينا على وجوه المحاورين مزيجاً من الحيرة والانزعاج، لأن الضيف الذي راهنوا عليه لم يمنحهم الذخيرة التي كانوا يسعون إليها.

المحاورون، في الشوط الأول من هذه العملية الإعلامية التي يُحتمل أن يكون لها شوط ثانٍ، فشلوا في استنطاق صنصال بالشكل الذي يرضيهم. حاولوا جره إلى الإدلاء بشهادات تُدين الجزائر أو تُصوّر السجن كجحيم، لكنه لم يقل ما يريدون سماعه. وقد بدا الإحباط جلياً في نبرة الأسئلة، وفي محاولاتهم المستميتة لدفعه نحو تصريحات سلبية تغذي حملاتهم المستمرة ضد الجزائر. لكن صنصال، رغم كل ما يُعرف عنه من تقلبات في مواقفه، لم يقدم لهم تلك “الذخيرة” التي كانوا ينتظرونها.

وربما كان أكثر ما أربك الإعلام الفرنسي هو إعلان صنصال أنه سيعود إلى الجزائر خلال أسبوع. هنا اختلطت الأوراق. فالعادة أن من يستفيد من العفو الرئاسي يُمنع مؤقتاً من السفر، لكن صنصال مقيم في فرنسا، وبالتالي قد يخضع لمنع مؤقت من دخول الجزائر، أو ربما يُسمح له بالدخول بشكل عادي حسب تقدير السلطات. لكن مجرد الإعلان عن رغبته في العودة جعل الصحفيين يفقدون السيطرة على روايتهم. فإذا كان الرجل قد عاش “جحيماً” كما يريدون تصويره، فكيف يُعلن بنفسه عودته بعد أسبوع فقط؟

هذا المعطى وحده جعل الإعلام الفرنسي في موقف لا يُحسد عليه. فصنصال لم يكتفِ بإحباط توقعاتهم، بل قلب الطاولة عليهم تماماً. وحتى إن كان هناك “شوط ثانٍ” مخطط له من طرف الأوساط التي تدير الحملة ضد الجزائر داخل فرنسا، فإن خروج صنصال بهذا الشكل أربك حساباتهم وجعلهم غير قادرين على التحكم بالرسالة كما خططوا.

شهادات صنصال، بهذه الطريقة الواضحة والصادمة، وضعت الإعلام الفرنسي في موقف محرج أمام العالم إلى درجة غير مسبوقة. وربما كانت “كلمة السر” التي زادت من عمق الإحراج هي إعلانه الواضح أنه سيعود إلى الجزائر بعد أسبوع. هذا التصريح نسف رواية كاملة بُنيت قبل حتى أن ينطق الرجل بأي كلمة. ومن المحتمل جداً أن نشهد محاولة لتدارك هذا الإخفاق عبر “استكمال المباراة” في شوط ثانٍ، لأن الجهات التي تدير الحملة الإعلامية في فرنسا ضد الجزائر لا تستسلم بسهولة، وتتحرك بدقة تُحسد عليها رغم انحيازها الواضح.

لكن ما حصل إلى حد الآن واضح، تصريحات صنصال لم تخدم الرواية الإعلامية الفرنسية بل فضحتها، وجعلت أدواتها تبدو مكشوفة أمام الرأي العام، وأظهرت حجم العدائية والانتقائية التي تطبع جزءاً كبيراً من تغطية بعض المنابر الفرنسية للشأن الجزائري.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

ترامب قد يصنّف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً…

مع اقتراب موعد إعلان واشنطن نيتها إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم التنظيمات الإرهاب…