‫الرئيسية‬ الأولى طرابلس على صفيح ساخن.. خطة مصرية تونسية جزائرية لتفادي الانفجار الليبي
الأولى - الوطني - 31 مايو، 2025

طرابلس على صفيح ساخن.. خطة مصرية تونسية جزائرية لتفادي الانفجار الليبي

طرابلس على صفيح ساخن.. خطة مصرية تونسية جزائرية لتفادي الانفجار الليبي

انعقد يوم 31 مايو 2025 بالقاهرة اجتماع وزاري ثلاثي ضم وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، في إطار استئناف آلية دول الجوار الليبي، وهي المبادرة التي جمّدت لفترة ثم أعيد إحياؤها في سياق التدهور الخطير الذي تشهده العاصمة الليبية طرابلس وتزايد المؤشرات على احتمال انزلاق البلاد نحو مواجهة عسكرية جديدة. وجاء هذا اللقاء، الذي احتضنته وزارة الخارجية المصرية، ليؤكد من جديد أن دول الجوار، خاصة تلك التي ترتبط بليبيا برابط جغرافي وتاريخي مباشر، لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تصعيد يهدد أمن المنطقة برمتها ويقوّض ما تبقى من جهود التسوية السياسية.

بحسب البيان الختامي الصادر عن وزارة الخارجية المصرية، فإن الدول الثلاث أجمعت على أن الأولوية القصوى اليوم هي لتجنيب الشعب الليبي ويلات المواجهة، ودعت بوضوح إلى الوقف الفوري للتصعيد، وتغليب لغة التوافق، مع التشديد على ضرورة احترام سيادة ليبيا ورفض أي تدخل خارجي يؤجج الخلافات ويزيد من تعقيد المشهد. ويستمد هذا الاجتماع أهميته من كونه جاء في توقيت حساس، حيث عاد التوتر ليخيم على العاصمة طرابلس بين مجموعات مسلحة متنازعة على السلطة والنفوذ، بينما تستمر حالة الانقسام السياسي بين حكومتين متوازيتين، دون وجود أفق قريب لانتخابات موحدة.

اللافت أن البيان الثلاثي لم يكتف بالدعوات العامة، بل قدّم رؤية متكاملة لحل الأزمة، تنطلق من قاعدة سياسية واضحة: لا حل إلا ليبي–ليبي، نابع من الإرادة الحرة لليبيين أنفسهم، ومنسجم مع مسار الأمم المتحدة دون إقصاء لأي طرف. وهو موقف يتقاطع مع الموقف الجزائري المعلن منذ بداية النزاع، والذي يقوم على دعم الحلول الداخلية ورفض تدويل الأزمة، وكذلك مع الطرح التونسي القائم على الحياد الإيجابي والمساهمة في بناء الثقة بين الفرقاء.

أحد المحاور الجوهرية التي شدد عليها البيان، ويتسم بقدر عالٍ من الجدية، هو المطالبة بخروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين غير الليبيين من الأراضي الليبية ضمن إطار زمني محدد، في انسجام مع ما تطالب به اللجنة العسكرية المشتركة 5+5. هذه النقطة بالذات تكتسب أهمية كبيرة لأنها تمثل شرطًا أساسيًا لتحقيق أي استقرار حقيقي، ولأن وجود هذه القوات يظل عامل انفجار دائم يهدد أي اتفاق سياسي. كما دعا البيان إلى توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، باعتبارها إحدى الركائز التي لا يمكن بدونها إعادة بناء الدولة الليبية.

وقد أبدى وزيرا خارجية تونس والجزائر دعمًا قويًا للمقترحات المصرية، وأكدا على أهمية الانتقال من الكلام إلى العمل، عبر مأسسة الآلية الثلاثية من خلال اجتماعات دورية تُعقد بالتناوب بين العواصم الثلاث، بدءًا بالجزائر ثم تونس قبل نهاية العام الجاري. وهو ما يؤشر إلى رغبة صريحة في تحويل هذا التنسيق إلى منصة دبلوماسية دائمة، تعوّض الفراغ الدولي المتزايد في الملف الليبي.

إن مصداقية هذا التحرك لا تأتي فقط من طبيعة الدول المشاركة، بل من مواقفها المتسقة على مدى السنوات الماضية. فكل من الجزائر وتونس ومصر حافظت على قنوات مفتوحة مع مختلف الأطراف الليبية، دون انخراط مباشر في النزاع أو دعم لطرف دون آخر، وهو ما يمنحها رصيدًا من الثقة يمكن البناء عليه. كما أن هذه الدول تدرك أن انهيار الوضع في ليبيا لا يعني سقوط دولة جارة فحسب، بل فتح الباب أمام موجة جديدة من الإرهاب، والهجرة غير النظامية، وانتشار السلاح، وتفاقم الأزمات الاقتصادية في جوار هشّ أصلًا.

إن البيان الثلاثي ليس مجرد إعلان نوايا، بل يمثل في جوهره رسالة تحذير واقعية، تقول فيها الدول الثلاث بوضوح إن وقت الانتظار قد انتهى، وإن أي عودة إلى الاقتتال لن تمر دون عواقب تتجاوز حدود ليبيا. وإذا ما استُكمل هذا التحرك بمبادرات عملية ودبلوماسية ميدانية، فقد يشكل حقًا فرصة لإعادة الليبيين إلى طاولة الحوار، لكن بشرط أن يكون الليبيون أنفسهم على استعداد للتضحية بالحسابات الفردية لصالح الوطن.

البيان، كما نشرته رسميًا وزارة الخارجية المصرية، يمثل في مضمونه أكثر من مجرد موقف دبلوماسي. إنه خلاصة قراءة استراتيجية ناضجة لطبيعة الأزمة الليبية، وتجسيد لمفهوم الأمن الإقليمي المشترك الذي تتبناه الجزائر وتونس ومصر منذ بداية الفوضى التي ضربت هذا البلد قبل أكثر من عقد. وقد يكون هذا الاجتماع نقطة انطلاق جديدة، شرط أن تواكبه الإرادة الدولية والميدانية الليبية لترجمة الكلمات إلى فعل.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

لقاء موسّع بين وزير الاتصال والنقابات…

يواصل وزير الاتصال زهير بوعمامة خطواته الميدانية لإعادة بعث ديناميكية جديدة في قطاع الإعلا…