‫الرئيسية‬ الأولى عبد الرزاق مقري… حين يفشل السياسي يهاجم الصحافة!
الأولى - الوطني - مقالات - ‫‫‫‏‫3 أيام مضت‬

عبد الرزاق مقري… حين يفشل السياسي يهاجم الصحافة!

يا سي مقري… الإعلام الجزائري حرّ ولا يقبل الإملاءات
صرّح عبد الرزاق مقري في الفترة الأخيرة متهمًا الإعلام الجزائري بأنه يتلقى التعليمات من أجل انتقاده. ويبدو أن السيد مقري وجد أخيرًا الشمّاعة التي تلائمه للقفز على أخطائه وإلصاقها بالصحفيين، كعادة كثير من السياسيين الذين يتهربون من المسؤولية عندما تفشل مغامراتهم.

لكن مقري نسي أن الإعلام لا يصنع الحدث، بل يواكبه وينقله كما هو. والحدث هذه المرة صنعه هو بنفسه، ولم تصنعه أي جهة أخرى في الجزائر، بما فيها الجهة التي يتّهمها بأنها “تأمر الصحفيين”. قرأت بنفسي العشرات من المقالات التي مجّدته، ورفعت من شأنه حتى شبّهته بصلاح الدين الأيوبي الجديد، في غير عصره وخارج تاريخ زمانه.

الإعلام لم يصنع الحدث، بل “قافلة الصمود” هي التي صنعته. تلك القافلة التي رفضت الجزائر استقبالها في موانئها، بقرار سيادي واضح. والغريب أن من نبّه إلى بعض تفاصيل هذه القصة كانت شابة تونسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تساءلت عن سبب رفض الجزائر السماح للقافلة بالرسو، وخلصت إلى أن هناك اعتبارات أمنية تتعلق بالتحقق من هوية بعض المشاركين. قد تكون أصابت أو بالغت في تحليلها، لكن ما لا شك فيه أن الجزائر لا تتخذ قراراتها عبثًا.

بدأت الرحلة بحادث في تونس، ثم أبحرت البواخر نحو غزة، وخرج علينا البعض بفيديوهات تحكي مغامرة “أسطول الصمود” كما سموه، يصورون الرحلة كأنها ملحمة تحرير جديدة. وكان من بينهم من قدّم نفسه كأنه “صلاح الدين الأيوبي” معاصر، يقود “معركة القدس الثانية” من عرض البحر!

الإعلام نقل الحدث، كما يفعل دائمًا، دون أن يضيف إليه ولا أن ينتقص منه. لكن المثير في القصة كان الفيديو الذي ظهر فيه عبد الرزاق مقري يشكر تركيا، وبالأخص الرئيس رجب طيب أردوغان، وكأنّ الجزائر لم تكن يومًا حاضرة في الدفاع عن فلسطين. الفيديو كان صادمًا، خاصة وأن صاحبه رجلٌ كان على رأس حزب سياسي، وطبيب، وكاد في وقت من الأوقات أن يكون وزيرًا أول.

الجزائر لم تقصّر يومًا في دعم القضية الفلسطينية، لا سياسيًا ولا ماليًا ولا دبلوماسيًا، بل دفعت ثمن مواقفها من مصالحها الدولية أكثر من مرة. الجزائر كانت دائمًا في الصف الأول، حتى حين تخلّى البعض أو سكت الآخرون. دعمت فلسطين حين كانت وحيدة، وحافظت على المبدأ حين باع غيرها المواقف.

ولا أعتقد أن هناك بلدًا عربيًا يستحق التقدير أكثر من الجزائر في هذا الملف. منذ حرب 67، مرورًا بحرب الاستنزاف، ووصولًا إلى نصر 1973، كان صوت الجزائر حاضرًا، وسلاحها أيضًا. ولمن لا يعلم، في مصر مقبرة في منطقة الإسماعيلية تُعرف بـ “مقبرة الجزائريين”، يرقد فيها أبناء الجزائر الذين سقطوا شهداء في تلك الحروب العربية.

أما “صلاح الدين الأيوبي” الحقيقي، الذي يرفعه البعض شعارًا دون معرفة حقيقته، فهو شخصية تاريخية معقدة، لا يمكن إعادة إنتاجها في زمننا ولا استنساخ بطولاته. أما الذين يختبئون وراء رموزه اليوم، فيستخدمونها فقط لإضفاء القداسة على مشاريع سياسية مؤقتة، لا علاقة لها لا بالتحرير ولا بالتاريخ.

الإخوانجيون لا تهمّهم الأوطان ولا ذاكرة الشعوب، بل فقط ما يحققونه من مكاسب آنية، ولو على حساب الكرامة والسيادة. ولعل ما جرى في “أسطول الصمود” كان مسرحية سياسية خاسرة، أكثر منه عملًا إنسانيًا صادقًا.

أما الإعلام الجزائري، فهو — وسيبقى — حرًّا، لا يتلقى الأوامر، ولا يخضع للإملاءات. من أراد أن يناقش فليفتح قلبه وعقله، ومن أراد أن يختبئ وراء “نظرية المؤامرة” فليبحث عن مرآة يرى فيها فشله السياسي قبل أن يتهم الصحافة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…