غزافييه دريانكور.. حين تتحول الدبلوماسية إلى ضجيج مغرض!
في مقاله المنشور بتاريخ 25 أكتوبر 2024، يعرض غزافييه دريانكور، السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر والفاسد أيضا، تحليلاً يرى فيه أن فرنسا وجدت نفسها أمام خيار حتمي بين الجزائر والمغرب، معتبرًا أن موقف باريس من قضية الصحراء الغربية هو محاولة لتجاوز “المأزق المغربي” وتجنب ما أسماه بـ”الفخ الجزائري”. يعبر دريانكور، بهذا الطرح، عن رؤيته الشخصية التي تخضع لاعتبارات قديمة، ترتكز على تصورات تفتقر إلى الدقة وتغفل عمق التاريخ وديناميكيات التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
تجاهل جذور القضية وأبعادها القانونية
يتحدث دريانكور عن الموقف الفرنسي حيال الصحراء الغربية وكأنه أمر مفروغ منه، متجاهلاً السياق القانوني والسياسي للقضية، التي لا يمكن تصنيفها كمسألة داخلية مغربية. بل هي مسألة معترف بها دولياً كقضية تصفية استعمار تتعلق بحق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، وهي قضية مدرجة ضمن الأمم المتحدة وتتطلب استفتاءً ديمقراطيًا يحدد الوضع النهائي للصحراء الغربية، وذلك وفقًا للقرارات الأممية.
من خلال ما أسماه “الخروج من المأزق المغربي”، يبدو أن دريانكور يغفل عن أن فرنسا، كعضو دائم في مجلس الأمن، تقع على عاتقها مسؤولية دعم الحلول السلمية والعادلة التي تتماشى مع القانون الدولي. إن الوقوف إلى جانب أطروحات معينة في نزاعات مثل قضية الصحراء الغربية قد يعزز الانقسامات، ويؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن كونه موقفًا يتعارض مع الحقائق التاريخية والحقوق المشروعة لشعب الصحراء الغربية.
المغالطة في وصف العلاقة مع الجزائر
يرى دريانكور أن فرنسا تجد نفسها في “فخ” جزائري، في وصف ينم عن قراءة سطحية للعلاقات بين باريس والجزائر. فالجزائر، التي لطالما دافعت عن حق تقرير المصير في الصحراء الغربية وعن مبادئ عدم التدخل والسيادة الوطنية، لم تكن أبدًا جزءًا من الصراعات المتقلبة أو التحالفات الظرفية، بل اتبعت سياسة خارجية متزنة ومبنية على احترام سيادة الشعوب.
لقد كانت الجزائر واضحة في مواقفها تجاه القضية الصحراوية، إذ تدعم بشكل ثابت وواضح قرارات الأمم المتحدة وحق الصحراويين في تقرير مصيرهم بشكل سلمي. هذه المبادئ هي في صلب السياسة الجزائرية تجاه الصحراء الغربية، ولا يمكن اختزالها في “فخ” يُنصب لأي دولة.
المقاربة الدبلوماسية المزدوجة وأثرها على السلام والاستقرار
يشير دريانكور إلى ما يسمى بسياسة “التوازن” الفرنسية في التعامل مع المغرب والجزائر، متناسياً أن هذه السياسة ليست جديدة، بل تعكس تناقضات الموقف الفرنسي التي زادت من تعقيد العلاقات الثنائية وأثرت سلبًا على استقرار المنطقة. إن اتباع سياسة مبنية على الانحياز أو دعم أطروحات معينة على حساب الحقائق الدولية قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة، حيث أن الدول المغاربية تتطلع إلى شراكة تقوم على الاحترام المتبادل لا على التدخل في قضاياها السيادية أو دعم توجهات معينة من شأنها أن تزيد من حدة الخلافات الإقليمية.
دعوة لتبني سياسة نزيهة ومسؤولة
إن محاولة دريانكور الإيحاء بأن الجزائر تقف عائقًا أمام استقرار المنطقة هو تجاهل للدور التاريخي الذي لعبته الجزائر في دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي سياسة ترتكز على مبادئ السلام والعدالة. كان الأولى بدريانكور أن يدعو فرنسا إلى اتخاذ موقف متوازن ومسؤول يعزز فرص السلام والتنمية في المنطقة، بدلًا من تشجيع السياسات التي تزيد من حدة النزاعات وتعرقل الحلول العادلة.
إن المنطقة المغاربية بحاجة إلى مقاربة بناءة مبنية على التعاون المشترك والتفاهم المتبادل، وليس على تدخلات خارجية أو تحالفات ظرفية تخدم مصالح ضيقة. ومن هذا المنطلق، فإن الجزائر ستظل ملتزمة بمواقفها الثابتة في دعم حقوق الشعوب وفق الشرعية الدولية، وهي مواقف ترتكز على مبادئ راسخة في الساحة الدولية وتحظى باحترام ودعم العديد من الدول والمؤسسات الدولية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …