‫الرئيسية‬ الأولى فاجعة الحراش تكشف إفلاس قطاع النقل… والوزارة تعيد إنتاج الفوضى!
الأولى - الوطني - مقالات - 12 سبتمبر، 2025

فاجعة الحراش تكشف إفلاس قطاع النقل… والوزارة تعيد إنتاج الفوضى!

فاجعة الحراش تكشف إفلاس قطاع النقل… والوزارة تعيد إنتاج الفوضى!
في آخر خرجة إعلامية لوزير النقل بخصوص قضية استيراد 10 آلاف حافلة التي قررها الرئيس تبون، فهمت من حديثه أن تلك الحافلات ستُوزّع على أصحاب الحافلات القديمة التي تجاوزت 30 سنة من الخدمة. غير أن الحقيقة أن هذا التوزيع لا يعدو أن يكون استمراراً لنفس النظام الفوضوي القديم الذي تأسس منذ عهد الانفتاح في فترة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.

من خلال تصريحات وزير النقل، السيد سعيود، بدا واضحاً أن وزارته لم تستخلص أي درس مما حدث في وادي الحراش، وأنها بصدد إعادة إنتاج وصناعة كوارث مستقبلية عبر تدوير نفس النموذج الفوضوي الذي طبع قطاع النقل منذ تطبيق “الليبرالية الهشّة” في تلك المرحلة. ما كان ينبغي على الوزارة فعله هو استخلاص العبر من سنوات الفوضى، لا الاكتفاء بتكرار سياسات أثبتت فشلها مراراً.

صراحة، لم أكن أتوقع من الوزير أن يكتفي بشرح كيفية استيراد 10 آلاف حافلة وإعادة توزيعها حسب الأحجام وعدد المقاعد لتعويض الحافلات الممنوعة من السير. أمر كهذا لا يحتاج إلى وزير ولا إلى وزارة؛ أي مواطن عادي يملك جهاز كمبيوتر ومعطيات دقيقة قادر على القيام بعملية التعويض. كان من الأجدر استبدال الحافلات القديمة بأخرى أقل من خمس سنوات خدمة، وتوفير أموال طائلة تُهدر اليوم على وزارة كاملة برواتبها ومصاريفها.

ما كان منتظراً من وزارة النقل هو التفكير في نظام جديد للنقل بالحافلات، مبني على دراسة معمقة لأسباب الكوارث في هذا القطاع المتشظي، الذي صار مضرب مثل للفوضى. الأولوية الحقيقية كان يجب أن تُوجّه إلى كيفية الحفاظ على حياة المواطنين وسلامتهم، عبر توفير حافلات تستجيب لشروط الأمان: سائقون أكفاء، قطع غيار متوفرة، صيانة منتظمة، وحافلات متجانسة شكلاً ومضموناً. وهذا لا يتحقق إلا بتأسيس شركة أو شركتين وفرض شروط عمل معترف بها دولياً. والمفارقة أن الجزائر تمتلك تجربة سابقة ناجحة في هذا المجال، والمثال ماثل أمام الوزير: شركة نقل العاصمة.

كان من واجب الوزير أن يدرك أن الجزائر أقرت قانون التعبئة العامة، وأحد أهم شروط تطبيق هذا القانون هو وجود نقل جماعي فعّال. في ظل النظام الفوضوي الحالي يستحيل بلوغ هذا الهدف. فاجعة الحراش كانت فرصة تاريخية لإعادة تنظيم القطاع عبر تأسيس شركات عمومية أو مختلطة.

وإذا كان الوزير متحفظاً على القطاع العام، فبإمكانه التوجه نحو تأسيس شركات برأسمال مفتوح للقطاع الخاص، حتى بالأغلبية، عبر طرح أسهمها في بورصة الجزائر أو من خلال أي آلية أخرى. المهم هو الخروج من حالة “البريكولاج” الراهنة، المتمثلة في توزيع آلاف الحافلات على الخواص دون مراعاة لشروط النقل العمومي المعمول بها عالمياً. تأسيس شركات مختلطة عمومية وخاصة من شأنه رفع الممارسة الليبرالية إلى مستوى أعلى، والخروج من دوامة الفوضى والتسيير الارتجالي. كما أن الشركات أسهل بكثير في المراقبة من قبل السلطات العمومية، التي يمكنها فرض دفتر شروط صارم وواضح، خلافاً للعدد الهائل من الخواص الذين يستحيل ضبطهم.

الانتقال من الفوضى إلى نظام ليبرالي منظم ومعترف به عالمياً في مجال النقل سيتيح للدولة أيضاً تحسين جمالية المدن وتهذيب الذوق العام للمواطن. فالفوضى في المحيط الحضري تُنتج مواطناً فوضوياً بالضرورة، يفتقر إلى الحس الجمالي، ويساهم بشكل غير واعٍ في تخريب بلده.

الدولة مسؤولة عن أمن المواطن وعن تربيته اجتماعياً وذوقياً. ولتحقيق ذلك تحتاج إلى أدوات عملية تبدأ من قطاع النقل، باعتباره مرآة للنظام والتنظيم، وأداة أساسية لصناعة المحيط الجميل والحفاظ عليه.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…