فاجعة 5 جويلية.. من المسؤول؟
شهدت الجزائر مؤخرًا حادثة أليمة راح ضحيتها أربعة مناصرين من جمهور مولودية الجزائر، رحمهم الله، إضافة إلى إصابات متفاوتة الخطورة لعشرات الشباب الذين كانوا حاضرين لمتابعة مباراة كروية في ملعب 5 جويلية. هذا الحدث المؤلم لم يُخلّف فقط الحزن والأسى، بل طرح أيضًا جملة من الأسئلة الجوهرية حول واقع تسيير القطاع الرياضي، وبشكل خاص ما يتعلق بتنظيم التظاهرات الكبرى وسلامة المنشآت.
أمام هول الفاجعة، سارعت السلطات العليا إلى إعلان تشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات ومعرفة الملابسات الدقيقة التي أحاطت بالحادث، وهي خطوة تعكس الحرص على ربط المساءلة بالمصلحة العامة، بعيدًا عن أي تسرّع في إطلاق الأحكام. لكن ذلك لا يُغني عن التوقّف عند بعض النقاط التي أثارها هذا الحادث، والتي تستحق نقاشًا هادئًا وعقلانيًا، ينبني على أسس المهنية والحرص على تحسين المنظومة.
من أبرز الإشكالات التي طُرحت عقب الحادث، مسألة اختيار ملعب 5 جويلية لاحتضان المباراة بدلًا من ملعب الشهيد علي عمار المعروف بـ”علي لابوانت”، وهو ملعب حديث ومرتبط تاريخيًا بفريق مولودية الجزائر. تساؤلات مشروعة ظهرت حول أسباب هذا القرار، وما إذا كانت المعايير الفنية والأمنية قد رُوعيت بالشكل الكافي، في وقت كانت فيه أصوات كثيرة تطالب بإعادة تهيئة شاملة لملعب 5 جويلية نظرًا لاهتراء بعض تجهيزاته.
كما أثيرت أسئلة حول منظومة ضبط الدخول الجماهيري وتسجيل التذاكر، خاصة مع الحديث عن تفاوت بين العدد المصرح به وعدد الحضور الفعلي. هذا الأمر يفتح النقاش مجددًا حول فعالية الأنظمة الرقمية التي سبق أن تم إطلاقها في وقت سابق تحت اسم “تذكرتي”، ومدى استمرارية العمل بها، وإن كانت قد عرفت عراقيل تقنية أو إدارية عطّلت تفعيلها الكامل.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة لمعايير تنظيم المباريات الكبرى، سواء من حيث جاهزية البنية التحتية، أو سعة الملاعب، أو تدابير السلامة، أو آليات بيع التذاكر، بشكل يضمن احترام الطاقة الاستيعابية، ويوفّر الظروف الملائمة للجمهور واللاعبين على حدّ سواء. كما أن الشفافية في التسيير وتوزيع الموارد المرتبطة بالمباريات تظل من بين الركائز الأساسية التي تُسهم في بناء الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين.
التحقيق المرتقب من طرف اللجنة المختصة، يُفترض أن يُسلّط الضوء كذلك على طريقة تسيير المنشآت الرياضية الكبرى، وبرامج صيانتها، والأسباب التي قد تكون عطّلت بعض المشاريع الرامية إلى إعادة تهيئة الملاعب القديمة، بما فيها تجهيزات الحماية داخل المدرجات وممرات الدخول والخروج، والتي تُعد من الجوانب الجوهرية في أمن وسلامة الجماهير.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال أهمية التكوين والتأهيل في المجال الرياضي، سواء على مستوى الإطارات الإدارية أو الفنية، بما يضمن تسييرًا علميًا وفعّالًا للقطاع. فالاستثمار في البنية البشرية لا يقلّ أهمية عن الاستثمار في البنية التحتية، بل قد يكون هو الضامن لاستدامة الإصلاحات وجودة الأداء المؤسساتي.
إن الحادثة، على ألمها، قد تشكّل لحظة فاصلة لمراجعة المنظومة ككل، وإعادة تقييم الأولويات في قطاع الرياضة، انطلاقًا من مبدأ أن تأمين حياة المناصرين ليس ترفًا، بل واجب وطني. كما أن تفعيل أدوات الحوكمة والرقمنة قد يُسهم في سدّ الكثير من الثغرات التي تظهر كلما تعرّضت منظومة التسيير لاختبار فعلي.
ختامًا، يبقى الأمل معقودًا على أن تكون هذه الفاجعة المؤلمة دافعًا لإعادة البناء، وأن تُسفر التحقيقات الجارية عن نتائج شفافة تسهم في استعادة الثقة، وتُمهّد لتحديث عميق في طريقة إدارة الفضاء الرياضي في الجزائر، بما يليق بتطلعات الشباب، ويكرّس ثقافة السلامة، والمهنية، والعدالة في التسيير.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…