‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي مقالات هندي يحكم بريطانيا العظمى وعنصريو فرنسا يصعدون ضد المهاجرين الأجانب
مقالات - 26 يونيو، 2024

هندي يحكم بريطانيا العظمى وعنصريو فرنسا يصعدون ضد المهاجرين الأجانب

فرنسا تجني ثمار الشعبوية؟

تحصل اليمين المتطرف في فرنسا على نسبة متقدمة على باقي الأحزاب الفرنسية في التصويت لتجديد أعضاء البرلمان الأوروبي. وبدأ الشاب بارديلا العنصري المتطرف، بعد أن قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحل البرلمان الفرنسي كاستخلاص منه لنتائج الانتخابات، في الظهور وأصبح يتوعد ويهدد، بينما لم يصل بعد إلى السلطة ولم يحقق أي تقدم داخل البرلمان الأوروبي، حيث كسبت كتلة الحزب الشعبي لليمين التقليدي والليبراليين مزيداً من المقاعد مقارنة بعهدته السابقة، وأصبحت أول كتلة وأول قوة سياسية في أوروبا. بينما لن يشكل اليمين المتطرف أي حرج أو خطر على موازين القوى السياسية داخل البرلمان الأوروبي الذي بقي كما كان عليه في العهدة السابقة، واقترح حزب الشعب الأوروبي الأسماء التي ستكون على رأس كل من المجلس الأوروبي والمفوضية والخارجية الأوروبية، وسيتم البت فيها بعد أيام في قمة الاتحاد الأوروبي المرتقبة. أما اليمين المتطرف على المستوى الأوروبي، فلا حدث وبقي في حجمه السابق.

الفضيحة ظهرت هذه المرة في فرنسا، لأن فرنسا تعاني منذ سنوات من تفشي الفكر الإقصائي والعنصري الاستعماري وممارسة السياسة الشعبوية، وكذلك بروز الشواذ جنسياً وتفشي ثقافة “الوك” التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه القيم تصدم المحافظين الذين صوت جزء كبير منهم لصالح اليمين المتطرف، الذي استقطب أيضاً أصوات الخائفين أو الرافضين لمواجهة عسكرية مع روسيا.

فرنسا الفضيحة، سفير سابق عمل لسنوات في الدبلوماسية ويروج للفكر العنصري، ضباط سابقين في المخابرات وفكرهم عنصري، ويهود فرنسيين مثل إريك زمور الذين عادة ما أسسوا تاريخهم على أنهم ضحايا اليمين المتطرف، فأصبحوا هم بدورهم يميناً متطرفاً عنصرياً في فرنسا العجائب. لأن اليمين المتطرف مثله الأعلى هو النازي هتلر الذي قتل اليهود وأحرقهم وتسبب في قتل 55 مليون مواطن في أوروبا.

إذا وصل الشاب بارديلا إلى السلطة وبدأ في تنفيذ تهديده بطرد المهاجرين، فإن هذا سيؤدي إلى انهيار فرنسا اقتصاديًا في غضون 24 ساعة. هذا لأنه، لأول مرة في تاريخ أوروبا، يجد التيار العنصري نفسه في مأزق لا يُحسد عليه. دراسة أعدها المفوضية الأوروبية منذ سنوات تشير إلى أن أوروبا بحاجة ماسة إلى جلب 90 مليون مهاجر حتى عام 2050، بينما تحتاج ألمانيا وحدها إلى جذب 15 مليون مهاجر بحلول عام 2030، لتفادي الانهيار الاقتصادي. هذا ما أكده حتى دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة السابق.

ألمانيا، التي تعاني من الشيخوخة المتزايدة في سكانها، تحتاج إلى جلب مليون مهاجر سنويًا، وتنوي حتى مناقشة تأخير سن التقاعد إلى 69 سنة. هذا يوضح أهمية ملحة لتفادي أزمة اقتصادية في المستقبل. النقاش في البرلمان الأوروبي حول كيفية إدارة هذه المهاجرين والتمييز بينهم باستخدام بطاقات إقامة ملونة، يعكس تعقيد الوضع الحالي.

ومن الجدير بالذكر أن قمة أوروبية أقيمت في إدنبرة دون إصدار أي بيان رسمي، حيث اتخذ القادة قرارًا بجلب الباحثين من الخارج ومنحهم الجنسية مباشرة بعد دخولهم الأراضي الأوروبية، مما يبرز حجم التحديات التي تواجه أوروبا في مجال الهجرة والاندماج.

لذا، إذا حاول بارديلا تطبيق سياسته الساذجة بطرد المهاجرين، فسيكون النتيجة وخيمة لفرنسا ولأوروبا بأسرها، مما يتطلب حلاً متوازنًا ومستدامًا يأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذا التحدي الكبير.

ماذا سيفعل الشاب بارديلا أمام انهيار الاقتصاد الفرنسي وهو يتسبب في طرد الملايين من فرنسا؟ يمكنني أن أحصي له القطاعات التي ستنهار قطاعاً بعد الآخر. وأضيف له أن أحد المتخصصين الفرنسيين في قطاع المال والأعمال ينصح في كل مرة الفرنسيين بعدم استثمار أموالهم في القطاع العقاري، لأنه من المتوقع أن ينهار هذا القطاع في السنوات القادمة نتيجة التقدم في العمر، وسيظل شقة من بين كل اثنتين فارغة في العاصمة باريس. ماذا سيرد الشاب بارديلا على مواطنه وهو أيضاً له ميول لحزب اليمين المتطرف ولكنه ليس أعمى البصيرة؟ فالأرقام لا تكذب، والانحدار السكاني قضية سنوات قليلة فقط وستحدث الصدمة والكوارث التي بدأت في ألمانيا. الفرنسي يرغب في أن يتقاعد في سن 60 سنة، بينما الألماني سيظل يعمل حتى سن 69 في المستقبل، وحالياً 67 سنة، والبلجيكي 65 سنة حالياً و67 سنة في المستقبل.

كيف يمكن للشاب بارديلا أن يعالج هذه المعضلة التي لا حل لها إلا بجلب المزيد من المهاجرين؟ هل فرنسا أذكى من إنجلترا؟ بالنظر إلى حقيقة أن رئيس وزرائها في بريطانيا من أصول هندية، وأن بلجيكا تضم عددًا من الوزراء من أصول عربية، كذلك في هولندا، يشير هذا إلى اندماج طبيعي ومتقدم داخل المجتمعات الأوروبية. قد يصبح الجيش البلجيكي مستقبلا نسبة منه من أصول عربية، كما قد تتطور جيوش أوروبية أخرى بنفس النهج.

في تلك الدول، لا نسمع عن شخصيات مثل الشاب بارديلا وهم يهددون أو يتوعدون المهاجرين، حتى أولئك الذين يحملون جنسية البلاد. إن هؤلاء المهاجرون قاموا باندماج طبيعي وذكي، ما يعكس الاستجابة الإيجابية والمسؤولة للتحديات الثقافية والاجتماعية في هذه الدول، بخلاف ما تعانيه فرنسا التي لا تزال تعيش في ظلال التاريخ الاستعماري وتواجه التحديات الكبيرة المتعلقة بالهجرة والاندماج.

مسألة الاندماج في فرنسا هي من أسوأ النماذج في أوروبا على الإطلاق، بينما يحكم هندي بريطانيا، وقبله حكمها بوريس جونسون من أصول تركية، وحكم مسلم آسيوي بلدية لندن. تبقى فرنسا تعيش في الماضي الاستعماري وتجر الكراهية والعنصرية والحقد المتوارث، والذي قد يصبح السياسة الرسمية للدولة الفرنسية وستحدث الكارثة.

سبقتها تجربة النمسا، التي وصل فيها يورغ هايدر إلى اعتلاء منصب المستشار، ولكن أوروبا اتخذت موقفاً حازماً منه، ومنعته من حضور الاجتماعات وعزلته، وحتى بلدية بسيطة في بروكسل منعته من تقديم محاضرة وقالت له: “العنصريون غير مرحب بهم هنا”. سقط يورغ هايدر ثم مات بعدها في حادث سيارة وانتهت حكاية العنصري الذي وصل لمنصب مستشار في النمسا.

هكذا سيكون مصير بارديلا إذا تخاذلت الجالية العربية المسلمة والجزائرية عن التصويت في الانتخابات التشريعية القادمة لقطع الطريق أمامه.

لخضر فراط، صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، مدير جريدة المؤشر.
       

اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…