‫الرئيسية‬ الأولى فرنسا لن تترك الجزائر وشأنها
الأولى - الافتتاحية - 13 أبريل، 2025

فرنسا لن تترك الجزائر وشأنها

فرنسا لن تترك الجزائر وشأنها
لا تمرّ فترة دون أن تندلع أزمة جديدة بين الجزائر وفرنسا، حتى بات التوتر القاعدة الثابتة في العلاقات الثنائية.

 آخر فصول هذه العلاقة المتأزمة جاء بعد قرار السلطات القضائية الفرنسية توجيه الاتهام لأحد أعوان القنصلية الجزائرية العاملين على التراب الفرنسي، ووضعه رهن الحبس المؤقت، وذلك في إطار فتح تحقيق في قضية “الاختطاف المزعوم” للمارق أمير بوخرص، المعروف باسم “أمير DZ”، سنة 2024.

الرد الجزائري لم يتأخر، إذ استدعت وزارة الشؤون الخارجية السفير الفرنسي المعتمد لدى الجزائر، وأبلغته احتجاجًا رسميًا شديد اللهجة، مؤكدة أن ما حدث يُعد خرقًا صارخًا للأعراف الدبلوماسية، ومحذرة من تبعات هذه الخطوة التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في العلاقات.

هذا التطور يؤكد أن باريس لم تعد تسعى إلى التهدئة، بل تنزلق نحو افتعال الأزمات، ربما نتيجة شعورها بتراجع نفوذها في الجزائر. وهو ما يستدعي من الجزائر التعامل مع هذه السياسات بحزم، خصوصًا في ظل توجه فرنسي تقوده تيارات معادية، يتقدمها ما يُعرف بـ”الكولون الجدد”، الذين لم يستسيغوا استقلال الجزائر ولا خياراتها السيادية.

أزمة اليوم تعكس بوضوح عمق الانزعاج الفرنسي من السياسة الخارجية الجزائرية، خاصة انفتاحها المتزايد على قوى كبرى كالصين وروسيا، وشراكاتها الاقتصادية النشطة مع دول أوروبية مثل إيطاليا، وهو ما تعتبره باريس تهديدًا مباشرًا لنفوذها الاقتصادي والتجاري وحتى العسكري في المنطقة.

من جهتها، لم تعد الجزائر تقبل بالإملاءات أو التدخلات، بل بات خطابها يتسم بالندية والوضوح، وهو ما برز خلال الزيارات المتبادلة مؤخرًا، لاسيما خلال استقبال وزير الخارجية الفرنسي في الجزائر، حيث وُوجه بلغة سياسية حازمة. وبعد أيام فقط، جاء الرد الفرنسي عبر توقيف موظف القنصلية الجزائرية، في خطوة لا يمكن فصلها عن السياق السياسي العام.

إيمانويل ماكرون، الذي يتزعم فرنسا اليوم، لا يختلف كثيرًا في توجهاته عن أسلافه، إذ تتفق مختلف التيارات الفرنسية – يمينًا ويسارًا – على مبدأ واحد: خدمة مصالح فرنسا حتى على حساب سيادة الدول الأخرى، وعلى رأسها الجزائر. لكن ما ترفضه باريس هو أن تعمل الجزائر على خدمة مصالح شعبها، وهو جوهر الخلاف القائم.

الواقع أن الصراع مع فرنسا أضحى أحد الثوابت في السياسة الفرنسية، ويتخذ أشكالًا متعددة: من التشويش الإعلامي، إلى التحركات الدبلوماسية والقضائية، وصولًا إلى محاولات التأثير في الداخل الجزائري عبر أدوات وعناصر عميلة. كل ذلك نابع من إدراك باريس أن الجزائر بدأت تفلت فعليًا من قبضتها، وأن شراكاتها الجديدة تهدد منظومة الهيمنة التقليدية التي اعتادت عليها فرنسا.

العلاقات المتقدمة مع روسيا، التي تساهم في تعزيز قدرات الجيش الجزائري، والشراكة الاستراتيجية مع الصين بما تملكه من أدوات مالية وتكنولوجية، والتقارب مع إيطاليا، كلها عوامل تثير القلق في الأوساط الفرنسية. أضف إلى ذلك الخطاب السيادي للرئيس عبد المجيد تبون، الذي لا يخفى على أحد أنه أصبح يزعج دوائر القرار في باريس. وقد عبّر الرئيس تبون عن هذا التوجه في أكثر من مناسبة، مؤكدًا أن الجزائر تسير بثبات نحو الاستقلال التام سياسيًا واقتصاديًا.

ما زلت أذكر، في 3 ديسمبر 1993، عندما كنت أشرح لوزير خارجية بلجيكا، ويلي كلاس، أوضاع الصحفيين الجزائريين في ظل مواجهة الإرهاب، قال لي بصراحة: “الجزائر هي قضية فرنسية”، ودخلنا في نقاش طويل أقنعته فيه بعكس ذلك. هذه العبارة تُلخّص كيف كانت (ولا تزال) فرنسا تعتبر الجزائر شأنًا داخليًا خاصًا بها، وتعمل على عرقلة أي انفتاح أوروبي حقيقي عليها.

اليوم، تعيش فرنسا حالة من القلق المتزايد إزاء فقدانها الجزائر كـ”بقرة حلوب”، كما كان البعض يصفها، وهي على استعداد لاستخدام كل الوسائل لإبقائها في هذا الوضع، حتى لو تطلّب الأمر اللجوء إلى “الحرب بالوكالة”، أو تجاوز الأعراف الدبلوماسية، كما هو الحال في القضية الحالية.

إن التوجه الوطني للقيادة الجزائرية، رغم كل التحديات، هو السبيل الوحيد لترسيخ السيادة الوطنية وتعزيز استقلال القرار الجزائري. ويتطلب ذلك من كل الجزائريين – دولة ومجتمعًا – الالتفاف حول هذا المسار، والدفاع عنه وتحصينه في وجه أي محاولات اختراق أو تراجع.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…