‫الرئيسية‬ الأولى قرارات مجلس الوزراء ترسم ملامح مرحلة اجتماعية وإدارية ورقمية جديدة
الأولى - الحدث - الوطني - ‫‫‫‏‫ساعة واحدة مضت‬

قرارات مجلس الوزراء ترسم ملامح مرحلة اجتماعية وإدارية ورقمية جديدة

قرارات مجلس الوزراء ترسم ملامح مرحلة اجتماعية وإدارية ورقمية جديدة
عقد مجلس الوزراء اجتماعه برئاسة رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، في ظرف داخلي وإقليمي يتسم بتزايد الضغوط الاقتصادية وتسارع التحولات البنيوية التي تفرض على الدولة مراجعة أدوات تدخلها وتحيين أولوياتها. الاجتماع لم يأت بطابع تقني محدود، بل حمل أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة، تعكس إرادة السلطة التنفيذية في الجمع بين المعالجة الظرفية للانشغالات اليومية، وبناء مسارات إصلاح أعمق ذات أثر متوسط وبعيد المدى.

في مقدمة الملفات التي نوقشت، برز القرار المتعلق برفع معاشات ومنح التقاعد، باعتباره مؤشرا مباشرا على استمرار الدولة في تبني مقاربة تدخلية لحماية الفئات ذات الدخل الثابت. إقرار زيادة بـ10 بالمائة للمتقاعدين الذين لا يتجاوز معاشهم 20 ألف دينار، و5 بالمائة لمن يفوق هذا السقف، لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق العام الذي يعرف تآكلا مستمرا في القدرة الشرائية نتيجة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. ورغم أن هذه الزيادات، من منظور اقتصادي صارم، قد لا تعوض كليا الفجوة بين الدخل والأسعار، إلا أنها تعكس توجها سياسيا واضحا نحو التخفيف من حدة التفاوت الاجتماعي، مع الحرص على ألا تكون هذه القرارات معزولة، بل منسجمة مع سلسلة إجراءات سابقة مست الحد الأدنى المضمون للأجر. غير أن التحدي الحقيقي سيظل مرتبطا بمدى قدرة المالية العمومية على استيعاب هذه الأعباء دون المساس بالتوازنات الكبرى، ما يستدعي، في المرحلة المقبلة، إصلاحات أعمق في منظومة الدعم والجباية.

وعلى المستوى الإداري، وافق مجلس الوزراء على استحداث مقاطعتين إداريتين جديدتين بكل من مغنية والعلمة، في خطوة تعكس توجها متواصلا نحو إعادة هيكلة التنظيم الإقليمي للدولة. هذا القرار لا يقتصر على بعده الشكلي، بل يندرج ضمن رؤية ترمي إلى تقريب الإدارة من المواطن وتحسين فعالية التسيير المحلي، خاصة في المناطق التي تعرف كثافة سكانية ونشاطا اقتصاديا متزايدا. غير أن نجاح هذا التوجه يبقى رهينا بمدى توفير الموارد البشرية المؤهلة، والوسائل المادية الكافية، وتوضيح الصلاحيات، حتى لا تتحول المقاطعات الجديدة إلى مجرد هياكل إدارية إضافية تكرر نفس الاختلالات القائمة.

الشق الاقتصادي من الاجتماع احتل حيزا مهما من النقاش، من خلال عرض الاستراتيجية الوطنية لتطوير التجارة الإلكترونية، التي اعتبرها رئيس الجمهورية تحديا استراتيجيا لا يمكن تأجيله. التأكيد على أن التجارة الإلكترونية تمثل رافعة اقتصادية حقيقية، ينسجم مع التحولات العالمية ومع الحاجة الملحة لإدماج الاقتصاد الوطني في المنظومة الرقمية، بما يسمح بتوسيع قاعدة المتعاملين، وتقليص الاقتصاد الموازي، وتحسين الشفافية الجبائية. التشديد على الأمن الرقمي لم يكن تفصيلا تقنيا، بل شرطا أساسيا لبناء الثقة، سواء لدى المستهلك أو المتعامل الاقتصادي، في ظل تزايد المخاطر المرتبطة بالاحتيال الإلكتروني وحماية المعطيات. كما أن الدعوة إلى تسهيلات وتشجيعات إضافية تعكس إدراكا رسميا بأن الانتقال الرقمي لا يمكن فرضه بالأوامر، بل يتطلب بيئة قانونية وتنظيمية مرنة ومحفزة.

في هذا السياق، شدد رئيس الجمهورية على أن الشفافية التجارية تمثل الهدف الجوهري للرقمنة والتجارة الإلكترونية، باعتبارها أداة لضبط المعاملات، ومحاربة الغش، وتحسين مناخ الأعمال. هذا الطرح يعكس وعيا بأن الرقمنة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لإعادة تنظيم السوق وتكريس قواعد المنافسة العادلة، وهو ما يستوجب، بالمقابل، مرافقة فعلية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حتى لا تتحول الرقمنة إلى عامل إقصاء لفئات واسعة من المتعاملين.

وفي توجيهاته العامة، اتخذ رئيس الجمهورية موقفا صارما بخصوص عمليات هدم السكنات غير القانونية خلال فصل الشتاء، من خلال منع تنفيذها، مع التهديد باتخاذ إجراءات فورية ضد رؤساء البلديات الذين يلجؤون إلى هذه الممارسات دون احترام القوانين والأعراف الإنسانية. هذا التوجيه يعكس مقاربة توازن بين تطبيق القانون ومراعاة البعد الاجتماعي، ويؤكد أن السلطة المركزية لا تقبل بالقرارات الارتجالية التي قد تمس بالاستقرار الاجتماعي، خاصة في فترات حساسة من السنة. كما حمّل الولاة مسؤولية السهر على تنفيذ مثل هذه العمليات ضمن أطر قانونية واضحة، بما يحد من التجاوزات ويضمن توحيد المعايير عبر مختلف الولايات.

وفي قطاع الفلاحة، أمر رئيس الجمهورية وزيري الفلاحة والداخلية بالتنسيق الوثيق من أجل حماية الفلاحين من الخسائر الناتجة عن كساد بعض المحاصيل، عبر تفعيل آليات التخزين الهادف وضبط مسارات التسويق. هذا التوجيه يعكس إدراكا بأن الإشكال الفلاحي في الجزائر لا يكمن فقط في الإنتاج، بل في ما بعد الإنتاج، من تخزين، ونقل، وتسويق، وهي حلقات ظلت تشكل نقطة ضعف مزمنة. اللجوء إلى التخزين كأداة لضبط السوق يهدف، في جوهره، إلى حماية دخل الفلاح، وضمان استقرار الأسعار، وتفادي التقلبات الحادة التي تضر بالمنتج والمستهلك في آن واحد.

في المجمل، تعكس مخرجات هذا الاجتماع توجها تنفيذيا يسعى إلى الجمع بين القرارات الاجتماعية ذات الأثر المباشر، والإصلاحات الإدارية والتنظيمية، والتحولات الاقتصادية المرتبطة بالرقمنة. غير أن الرهان الحقيقي لا يكمن في الإعلان عن هذه القرارات، بل في قدرتها على الانتقال من النص إلى التطبيق، ومن التوجيه إلى الأثر الملموس، في سياق يتطلب صرامة في المتابعة، ووضوحا في المسؤوليات، وتقييما دوريا للنتائج، بعيدا عن الخطاب التطميني أو المعالجات الظرفية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

فرنسا تمنع نشاطًا انفصاليًا لما يُعرف بحركة “الماك” الارهابية

قرّرت محافظة إقليم الإيفلين، التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية، منع تنظيم نشاط أعلنت عنه جه…