قمة بكين بين القوى الكبرى.. نحو “يالطا” جديدة؟
أوردت صحيفة بريطانية معلومات عن احتمال عقد قمة ثلاثية مرتقبة في العاصمة الصينية بكين، تضم كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدعوة من الرئيس الصيني، وذلك بمناسبة إحياء الذكرى السنوية لانتصار الصين في الحرب العالمية الثانية على النازية.
تشير العديد من المؤشرات إلى توجه جدي نحو عقد هذه القمة، التي من المتوقع أن ترقى في أهميتها إلى مستوى “مؤتمر يالطا” الذي انعقد عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية، حيث اتفقت القوى المنتصرة حينها على صياغة النظام العالمي الجديد، وتأسيس مؤسسات دولية لا تزال قائمة إلى اليوم، مثل مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة. لكن العالم اليوم تغيّر، وبرزت قوى جديدة تطالب بإعادة النظر في أساليب إدارة الشؤون الدولية. ويعكس هذا التحول اعترافًا ضمنيًا بنهاية مرحلة الأحادية القطبية التي قادتها الولايات المتحدة، وبداية نظام دولي متعدد الأقطاب. ويؤكد هذا التوجه ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي نفسه، حين أقرّ بوجود ثلاث قوى رئيسية في العالم هي: الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، مستبعدًا بذلك دول الاتحاد الأوروبي من دائرة النفوذ العالمي الجديد.
في حال انعقاد هذه القمة، فإن أحد أهدافها الأساسية سيكون وضع حد للحروب المستعرة حالياً، لا سيما في أوكرانيا، الشرق الأوسط، وتايوان – الأخيرة التي تمثل خطاً أحمر بالنسبة للصين، وتُعدّ من أكثر بؤر التوتر خطورة على الأمن العالمي.
الدافع وراء هذه المبادرة هو وصول بعض بؤر الصراع إلى مرحلة قد تفضي إلى صدام نووي بين القوى الكبرى، ما يهدد مستقبل البشرية برمّته. وهو ما يستدعي، حسب المراقبين، العودة إلى طاولة الحوار وبناء آليات جديدة لتسوية النزاعات الدولية، قبل انزلاق العالم نحو حرب شاملة.
وتعكس بعض التصريحات الغربية هذه المخاوف، من بينها تصريح منسوب إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال مكالمة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يتساءل فيه عمّا إذا كان قصف موسكو خياراً مطروحاً. كما صرّح أحد القادة العسكريين الأمريكيين بأن بلاده قادرة على تحييد منطقة كالينينغراد الروسية، الواقعة داخل القارة الأوروبية.
في المقابل، ردت موسكو بأن أي استهداف لكالينينغراد سيُقابل برد نووي شامل قد يشمل عواصم كبرى مثل برلين، لندن، وباريس، ضمن ما يُعرف بـ”نظام اليد الميتة” الروسي، وهو نظام تلقائي للرد النووي يُفعّل في حال تعرّض روسيا لهجوم واسع.
إن تصاعد الخطابات العدائية ضد روسيا يشكل تهديدًا فعليًا للاستقرار العالمي، ويستفز – بحسب مراقبين – أكبر قوة نووية في العالم. من هنا تبرز أهمية هذه القمة الثلاثية المحتملة، كفرصة تاريخية لخفض التوترات، وبناء قنوات حوار مباشرة بين القوى الكبرى، تُمكن من حل النزاعات المعقدة سلمياً.
وقد أثبتت الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط أن التفوق العسكري الأمريكي لم يعد حاسماً، خصوصاً مع ظهور أسلحة جديدة غيرت قواعد المعادلة، من بينها الصواريخ الفرط صوتية، القادرة على تدمير حاملات الطائرات الأمريكية من مسافات بعيدة، مما يجعل هذه الحاملات أقرب إلى “مقابر عائمة” في حال اندلاع صراع واسع.
إن قمة بكين، إن عُقدت، قد تكون مقدمة لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية، تُكرّس التعددية القطبية، وتعيد رسم خرائط النفوذ العالمي بطريقة مغايرة لما تم إرساؤه بعد الحرب العالمية الثانية. والسؤال المطروح الآن: هل يشهد العالم “يالطا جديدة” تنقذه من حافة الهاوية، أم يستمر في السير نحو المجهول؟
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…
مثل هذا “يالطا 2.0” سيكون اعترافًا بأن النظام الدولي الحالي لم يعد يعمل. وهو في الوقت نفسه فرصة إذا كان ذلك سيجنب الحروب، ومخاطرة إذا ما تم استبعاد الدول الأوروبية، الصغيرة والمتوسطة من اتخاذ القرارات.