كمال داود وبوعلام صنصال: وجهان لعملة استعمارية واحدة كيف يجند اليمين المتطرف الفرنسي عملاء ضد الجزائر؟!
يتجلى دور اليمين المتطرف الفرنسي وحلفائه من الصهاينة والمخزن المغربي في استخدام شخصيات جزائرية ذات صيت ثقافي وأدبي لتشويه صورة الجزائر على الساحة الدولية. من أبرز هذه الشخصيات كمال داود وبوعلام صنصال، اللذان أصبحا رمزين لمشروع ثقافي معادي للجزائر، يتم استغلالهما في فبركة ونشر روايات مغلوطة ومواقف سياسية تهدف إلى زعزعة صورة الجزائر، خاصة في ظل التنسيق بين هؤلاء وبين أطراف أخرى تعمل لإلحاق الضرر بمصالح الجزائر.
يمثل اليمين المتطرف الفرنسي، بقيادة شخصيات مثل إريك زمور ومارين لوبان، تيارًا يسعى إلى توظيف الإعلام والأدب والفكر لخدمة أهدافه السياسية، من خلال استغلال الأدباء والمثقفين للمساهمة في نشر أفكار مسيئة للجزائر، بما في ذلك تشويه تاريخها والطعن في حدودها الجغرافية، وإضعاف سيادتها الوطنية، والتقليل من أهمية الاستقلال الذي تحقق بعد حرب تحريرية مريرة ضد الاستعمار الفرنسي. هؤلاء “الأدباء”، الذين تم تمجيدهم من قبل هذا التيار، أصبحوا “أدوات” في يد اليمين المتطرف، يستغلهم لتمرير رسائل سياسية ضد الجزائر.
كمال داود و”مافيا غاليمار”
لا يمكن الحديث عن العلاقة بين الأدب الجزائري وفرنسا دون التطرق إلى الطريقة التي تُستخدم بها بعض الأصوات الأدبية لإعادة إنتاج سرديات تخدم رؤية استعمارية أو سياسية محددة. في هذا السياق، يُعد كمال داود مثالًا واضحًا لكاتب جزائري اكتسب شهرة واسعة في فرنسا، لكن ليس بسبب موهبته الأدبية، بل لأنه تبنى في أعماله ومواقفه خطابًا يتقاطع مع النظرة الفرنسية الاستعمارية التي تُكرس انتقاداتها ضد النظام الجزائري والثقافة المحلية.
رواية كمال داود الشهيرة ميرسو: تحقيق مضاد، التي أعادت صياغة رواية ألبير كامو الغريب من منظور جزائري، لاقت احتفاءً كبيرًا من النخب الثقافية الفرنسية. هذا الاستقبال المكثف أثار تساؤلات عدة في الجزائر: هل كانت فرنسا ستحتفي بهذا العمل لو لم يتضمن انتقادات مبطنة للمجتمع الجزائري وتاريخ الهوية الوطنية؟ بعض النقاد الجزائريين يذهبون إلى القول إن شهرة داود في فرنسا لم تكن لتتحقق لولا اختياره التهجم على الجزائر ومجتمعها، وهو توجه يتماشى مع خطاب لوبي فرنسي متطرف لا يفوت أي فرصة للتشكيك في السيادة الجزائرية.
دار “غاليمار” للنشر، التي كانت حجر الزاوية في الترويج لأعمال داود، لم تتوانَ عن دفع رواياته إلى مقدمة المشهد الثقافي الفرنسي. لكن النظر بتمعن في هذه الاستراتيجية يوضح أن الاهتمام بداود لا ينفصل عن الرغبة الفرنسية في إيجاد أصوات من داخل الجزائر تُعبر عن انتقادات تبدو “داخلية”، لكنها تخدم في الحقيقة رؤية استعمارية معاصرة تُعيد صياغة العلاقة الثقافية بين البلدين.
فرنسا المتطرفة التي تدعي الاعتزاز بالتنوع الثقافي، تبدو انتقائية في اختيار الأصوات الجزائرية التي تمنحها منبرًا عالميًا. ففي الوقت الذي يُهمش فيه العديد من الكتاب الذين يقدمون رؤى إيجابية أو متوازنة عن الجزائر، يُمنح كمال داود مساحة واسعة لأنه اختار أن يكون صوته متناغمًا مع الخطاب الفرنسي المتطرف السائد. لو كان داود قد ركز في أعماله على إبراز قوة الهوية الجزائرية أو على تاريخ النضال الوطني، لما وجد نفس الصدى في فرنسا، لأن ذلك كان سيتعارض مع السردية التي تفضل إبراز الجزائر كبلد يواجه أزمة مستدامة في هويته ومجتمعه.
ارتباط “غاليمار” بشبكة الجوائز الأدبية الكبرى مثل “غونكور” يُعزز هذا التوجه. فهذه الدار، التي نالت نصيب الأسد من الجوائز على مر السنين، تُتهم بتضخيم مكانة أعمال معينة على حساب أخرى، بناءً على أجندات غير أدبية، في حالة كمال داود، يمكن القول إن تسليط الضوء على أعماله كان مدفوعًا برغبة في تقديم نموذج لكاتب جزائري يبدو “مستقلًا”، لكنه في الواقع يُعيد إنتاج خطاب يتماشى مع المصالح الثقافية والسياسية الفرنسية.
هذا التوجه يثير تساؤلات حول العدالة الثقافية، إذ يتم تهميش كتاب جزائريين آخرين اختاروا تناول قضايا وطنية أو التركيز على إبراز الجوانب الإيجابية للهوية الجزائرية. هذه الديناميكية تجعل من الصعب تجاهل أن شهرة كمال داود في فرنسا ليست نتيجة لموهبته، بل لأنه تبنى سردية كانت فرنسا تنتظرها وتروج لها منذ زمن.
يتعين علينا كقراء أن نكون واعين بالسياقات التي يُحتفى فيها بأعمال أدبية معينة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأعمال تتناول قضايا سياسية أو ثقافية حساسة. الأدب يجب أن يكون مساحة للتعبير الحر والإبداع، لا أداة تُستخدم لتوجيه سرديات تخدم أجندات معينة. ما حققه كمال داود من نجاح يظل قابلًا للنقاش، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن صدى صوته في فرنسا كان سيتلاشى لو لم يختَر طريق الانتقاد المتماهي مع الخطاب الفرنسي المتطرف تجاه الجزائر.
“غونكور” على حساب معاناة الشعب الجزائري
حاز كمال داود على جائزة “غونكور” الفرنسية عن رواية حوريات الصادرة عن دار “غاليمار” الفرنسية، تتناول أحداث العشرية السوداء في الجزائر بين 1992 و2002. الرواية بطلتها الشابة “أوب” التي فقدت قدرتها على الكلام، حيث ذبحها أحد الإرهابيين في 31 ديسمبر 1999. يبدي داود مواقف انتقادية حادة تجاه الجزائر ومؤسساتها، حتى لو كانت هذه المواقف تفتقر أحيانًا إلى الموضوعية. لقد كان نجاحه الأدبي في فرنسا مشوبًا بتوجيهاته السياسية التي تثير الجدل، فهو يتبنى مواقف تجعل من الجزائر مادة للتشويه، ويغفل أحيانًا عن التقدير الكامل لآلام الشعب الجزائري وتاريخه الوطني.
وعلى الرغم من الجائزة الأدبية التي حققها، نجد أن داود استغل معاناة الجزائريين، خاصة ضحايا الإرهاب، وقدمها بطريقة قد تكون مسيئة لهم في روايته الأخيرة حوريات. هذا الكتاب، الذي تم تحميله بالعديد من الإشارات المشوهة عن الجزائر، أثار غضب العديد من الجزائريين الذين اعتبروه بأنه استخدم مآسيهم كوسيلة للنجاح الأدبي على حسابهم.
بوعلام صنصال: عراب التحريف والتشويه
في المقابل، كان بوعلام صنصال، الكاتب الآخر الذي تم تجنيده في هذه الحرب الثقافية، يمثل وجهًا آخر لهذا الهجوم. صنصال، الذي يعيش في فرنسا، ويُنظر إليه من قبل بعض الأوساط الفرنسية كمثقف جزائري “متمرد”، اتخذ موقفًا معاديًا للجزائر منذ سنوات، خاصة بعد تصريحات استفزازية له تتعلق بتاريخه الشخصي والثقافي. صنصال، في الكثير من كتاباته ومداخلاته الإعلامية، يقلل من شأن سيادة الجزائر ويساهم في الترويج لفكرة أن الجزائر لا تستطيع أن تستمر في كونها دولة ذات سيادة. ومن المعروف عنه أيضًا مهاجمته المستمرة لما يسميه “النظام العسكري” في الجزائر، وهو مصطلح مفضل عند المخزن واتباعه ويُستهلك في تعبير عن موقفه المعادي للدولة الجزائرية ولتاريخها الوطني.
لا يقتصر دوره على كونه كاتبًا فحسب، بل أصبح جزءًا من ماكينة دعاية تروج لأفكار تضر بمصالح الجزائر. صنصال، الذي لطالما كان يعبر عن مواقف قاسية تجاه الجزائر وتاريخها، سرعان ما أصبح حليفًا لفرنسا في محاولاتها لتوجيه الانتقادات الموجهة ضد البلاد.
من خلال تصريحاته المثيرة للجدل وكتاباته المليئة بالتشكيك في التاريخ الجزائري، يبدو صنصال كأداة استخدمها اليمين الفرنسي لتقويض سيادة الجزائر وتهديد استقرارها الثقافي. وُصف بأنه “دُمية” في يد تلك القوى التي تدافع عن مصالح فرنسا السياسية في الجزائر، ومن هنا ظهرت معارضة قوية له من طرف شرائح واسعة من المجتمع الجزائري التي ترى في صنصال أحد أبرز الجلادين الأدبيين للذات والذين يعيدون صياغة التاريخ بطريقة منحازة وتهدم الأسس الوطنية.
استغلال الأدب لتقويض الهوية
ما يربط بين كمال داود وبوعلام صنصال هو استخدامهما الأدب كأداة للتحريف والتزييف، لرسم صورة مغلوطة عن الجزائر، تماشياً مع روايات تخدم أهداف اليمين المتطرف الفرنسي. هذان الكاتبان ليسا فقط “مثقفين” يحاولون التعبير عن أنفسهم بحرية، بل هما جزء من شبكة ثقافية أوسع يتم استغلالها لإثارة النعرات وتقويض الهوية الجزائرية.
ولهذا يجد هؤلاء الكتاب المساندة القوية من تيارات سياسية فرنسية متطرفة معروفة بمعاداتها للجزائر، في حين أن الجزائر في ذات الوقت لا تجد الدعم الكافي من النخب الثقافية الدولية التي يمكن أن تدافع عن تاريخها الوطني.
لقد أثبتت الجزائر عبر العقود الماضية قدرتها على التصدي لهذا النوع من الهجمات السياسية والثقافية. من خلال تعزيز الهوية الوطنية والتأكيد على السيادة الثقافية، تتجلى أهمية محاربة هذه المحاولات التي تهدف إلى نشر الأكاذيب عن تاريخ الجزائر ومعاناتها. وفي الوقت نفسه، يُتوقع من المثقفين الجزائريين الحقيقيين أن يكونوا صوتًا حقيقيًا للحقائق، لا أدوات في يد من يسعى إلى تزييف التاريخ.
في مواجهة هذه الأجندات المشبوهة، يبقى من المهم بالنسبة للمجتمع الجزائري الحفاظ على تاريخه وثقافته، وعدم السماح لأي شخص أو جهة مهما كان تأثيرها أن تضعف من عزيمته في حماية ذاكرته الوطنية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …