‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي مقالات كيف غيرت الجزائر قواعد اللعبة مع فرنسا؟
مقالات - 20 مارس، 2025

كيف غيرت الجزائر قواعد اللعبة مع فرنسا؟

كيف غيرت الجزائر قواعد اللعبة مع فرنسا؟
التراجع الفرنسي الذي بدأت تظهر بعض مؤشراته فيما يخص التعامل مع الجزائر لم يأتِ من فراغ، بل جاء بالدرجة الأولى نتيجة الموقف الصلب الذي تبنته الجزائر ضد فرنسا في كل حركة استفزازية، سواء كانت من وزير الداخلية، روتايو، المهوس بالجزائر، أو من وزير العدل المعروف أصوله، أو من وزير الخارجية الخارج عن نطاق التغطية.

الاستفزاز الفرنسي، ومنذ حادثة المروحة إلى اليوم، سببه اقتصادي. لقد تغيرت الجزائر التي كانت تقدم الهدايا والقرابين لفرنسا لمجرد تصريح هنا أو هناك ضدها أو مساند لها، وكان قادتها كلما اشتدت عليهم الأوضاع الاقتصادية ينزلون إلى العاصمة الجزائر لملء خزائنهم. اليوم، ومنذ اعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون، الرجل الوطني، سدة الحكم، تغيرت الأمور وأصبحت باريس تعاني اقتصاديًا، يضاف إليها ما فقدته من أسواق إفريقية في دول الساحل التي تدعمها الجزائر.

ماكرون هو محرك الحملة ضد الجزائر، ويبدو، أن الرد الأخير بكشف العقارات الفرنسية التي تستغلها في الجزائر مقابل إيجار زهيد شكل رسالة قوية للرئيس ماكرون شخصيًا، وهو الذي زار فندق الأوراسي قبل أن يترشح للانتخابات الرئاسية. والحديث قياس كما يُقال عندنا في الجزائر.

كذبة وزير الداخلية بأن الرئيس تبون يريده أن يستقيل لا يصدقها أي عاقل. فهذا الوزير وجد نفسه في ورطة، والتصعيد الذي قام به قد يوصله إلى ما لا يقدر على فعله. فبدأ يلف ويدور إلى درجة أنه يعتبر أن الرئيس تبون يريده أن يستقيل، والحقيقة عكس ذلك تمامًا، إذ إن الوزير السيئ الذكر خلق مشاكل لفرنسا بعد التغييرات الدولية الأخيرة التي أخلطت كل مخططات ماكرون ضد الجزائر.

تحالف ماكرون مع النظام المروكي وبدعم من “سرائيل” كان موجها ضد الجزائر لضرب استقرارها وتفجير حرب ضدها عن طريق المروك، ولكن هذه الخطة وُضِعَت قبل صعود الرئيس ترامب إلى الحكم، والذي لا يحترم الرئيس الفرنسي ولا حتى فرنسا نفسها، كما لا يحترم المروك الفاسد الذي انتقده في عدة مناسبات. التغير الذي نرى مؤشراته لدى فرنسا سببه أيضًا التغييرات الجيوسياسية والتقارب الأمريكي الجزائري الذي أخلط كل الأوراق.

التحرك الإسباني ضد المروك يعتبر أيضًا مؤشرًا هامًا، لأن المروك تعاقد مع شركات إسرائيلية للتنقيب عن الغاز في الصحراء الغربية، حتى تدعمه في تكريس تواجده، لكن إسبانيا انزعجت من هذا التصرف وعارضت المسعى المروكي لتسليم الصحراء الغربية لـ”الإسرائيليين”، لأنها كانت مستعمرة سابقة لإسبانيا وقدمتها هدية للراحل الحسن الثاني، وبقيت هي محافظة إلى اليوم على المجال الجوي للصحراء الغربية. بالإضافة إلى أنها منحت الجنسية الإسبانية لكل الصحراويين الذين وُلدوا قبل 1975، وبالتالي فهي مجبرة على التدخل عسكريًا للدفاع عن مواطنيها إذا اقتضت الضرورة ذلك.

المعطيات التي أثرت على تراجع ماكرون عن خطته لضرب استقرار الجزائر أصبحت واضحة للعيان، ومنها ما يحدث في أوكرانيا، وفي داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، حيث الأمور لا تسير لصالح المواقف الفرنسية التي دخلت في صراع مع النفوذ الأمريكي في القارة العجوز، مع تهميش ورفض كلي لدورها في أي مبادرة سياسية من الطرف الروسي.

تراجع خطة ماكرون في التصعيد ضد الجزائر يبقى مؤقتًا، وسيعود التوتر الفرنسي الجزائري إلى الواجهة إذا مالت الكفة لصالح النظام الفرنسي في أوروبا، وخاصة إذا استطاع إقناع ألمانيا بغطائه النووي وأدخلها إلى بيت الطاعة الفرنسي.

نحن نعيش في عالم غير مستقر، تتغير فيه المعطيات بين ليلة وضحاها، فالحذر في التعامل مع أعداء الأمس واليوم واجب علينا جميعًا.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…