لا فتح للحدود ولا تنازل عن السيادة
كلّ مرة يخرج علينا مسؤول مروكي، أو حتى الملك نفسه، ليتحدث عن فتح الحدود مع الجزائر، وصراحةً هذا أمر غير مفهوم تمامًا، لأن مسألة الحدود قضية سيادية بامتياز، وغلقها أو فتحها قرار جزائري خالص لا دخل لنظام المروك فيه، وليس له أيّ حقّ في الحديث عنها أو التدخل في شأنها، لأن ذلك يُعدّ تعدّيًا صريحًا على سيادة الجزائر.
الحدود أُغلقت بعد أن اتهمت السلطات المروكية الجزائر بأنها وراء تفجيرات فندق مراكش، وفرض دريس البصري حينها التأشيرة على الجزائريين. وقد عومل حتى الذين كانوا في الطائرات متوجهين إلى المروك بقساوة غير مسبوقة، وتعرّضوا للإهانات والشتائم من الأجهزة الأمنية، بل واحتُجز بعضهم دون وجه حق، رغم أنهم كانوا مجرد طلبة في رحلة سياحية. والمصيبة أنّ العدالة المروكية التي حاكمت المتورطين في تفجير فندق مراكش لم تثبت أبدًا أي علاقة للمخابرات الجزائرية بالحادثة.
وجاء غلق الحدود ردًّا طبيعيًا على فرض التأشيرة وعلى حملة الاتهامات التي ما زلنا نسمعها إلى اليوم. فكلّما تعطّل نزول المطر في مملكة ما بين الوادين، وُجّهت الأنظار نحو الجزائر! فالجزائر – في نظر المخزن التافه – هي المسؤولة عن كل شيء: من انطلاق المظاهرات في جيل “زاد”، إلى غياب الجماهير في ملاعب المملكة، وصولًا إلى فقر سكان وجدة وما جاورها! وكأن هؤلاء جزائريون على الجزائر أن تعتني بهم عبر فتح الحدود لاستنزاف اقتصادها، كما كان يحدث في السابق، حين كانت الجزائر تخسر المليارات من الدولارات بسبب تهريب السلع الاستهلاكية المدعمة.
متى يفهم سياسيّو المروك أنّ مسألة الحدود ليست شأنًا يخصّهم؟ لهم الحقّ في التحكّم في حدودهم، لكن ليس في حدود الجزائر، التي أُغلقت بعد دراسة معمقة أثبتت أنّ الجزائر، لو قدّمت لكلّ ساكن على الشريط الحدودي راتبًا شهريًا محترمًا، فإنها ستُوفّر المليارات التي كانت تُستنزف عبر التهريب. فالمعادلة بسيطة جدًا: لسنا مسؤولين عن مواطني بلد آخر، بل فقط عن مواطنينا.
وأعتقد أنّ تمادي السياسيين في المروك، بل وحتى العاوي الإخوانجي بن كيران، الذي يتساءل بسذاجة عن سبب كِبر مساحة صحراء الجزائر مقارنة بصحراء المروك، هو تعبير واضح عن الفكر التوسّعي الذي يتغذّى عليه نظامهم. وطبعًا، إخوان الجزائر لا يردّون على من يعتدي على سيادة وطنهم، لأنّ الوطن عندهم ليس إلا “حفنة تراب عفن”، كما قال أحدهم. إنّ مطالبة هؤلاء بفتح الحدود ليست بريئة؛ بل ترتبط بالخريطة التي يحتفظ بها ملكهم السادس في مكتبه، والتي تُظهر مناطق جزائرية وموريتانية شاسعة كأنها جزء من مملكته الوهمية، كما أكّد ذلك جون بولتون في مذكراته.
حدود الجزائر خطّ أحمر، ومادامت التهديدات الأمنية تتفاقم يومًا بعد يوم من تلك الجهة، فإنّ الحدود ستبقى مغلقة، لأنها ضمانة أساسية لأمن الجزائر واستقرارها الاقتصادي، فضلًا عن كونها وسيلة فعّالة للحدّ من تهريب المخدرات الذي لا يتوقف من الطرف الآخر.
إنّ قضية الحدود الجزائرية مسألة سيادية بامتياز، والخوض فيها من قبل المروكيين، مهما كانت مناصبهم أو مسؤولياتهم، أمرٌ غير مقبول لا عند السلطة الجزائرية ولا عند الشعب الجزائري. الجزائر لم ولن تسمح لأيّ جهة كانت أن تملي عليها قرارًا يخصّ حدودها أو أمنها، فذلك شأن وطني خالص، لا يُساوَم عليه ولا يُناقش.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
من الانقسام إلى الإبادة… كيف خدمت حركة حماس المشروع الصهيوني؟
تتكرر محاولات لتسويق ما جرى في غزة على أنه «انتصار للمقاومة» بقيادة حركة حماس، رغم أن الوا…