لماذا تُحرَم “المؤشّر”؟
منذ تأسيسها، اختارت يومية المؤشّر أن تشقّ طريقها بإمكانات بسيطة وجهدٍ ذاتيّ، محافظة على خطّها الوطني المستقل وموقفها المهني الثابت في الدفاع عن الكلمة الحرّة والموضوعية. تصدر الجريدة عددًا تذكيريًا كل شهرين كما ينصّ عليه القانون، وتواصل، بفضل موقعها الإلكتروني النشط، الوصول إلى آلاف القرّاء الذين يتابعون تحاليلها وتعليقاتها حول قضايا الساعة الوطنية.
ورغم مرور أكثر من عام على ميلادها، فإن المؤشّر لم تتحصّل إلى اليوم على أي دعم أو صفحات إشهار عمومي تمكّنها من الصدور المنتظم وتكوين فريق عمل متكامل من الصحفيين المهنيين. وعندما تتحدث الجريدة عن “الدعم”، فهي لا تعني به منّةً ولا صدقة، بل حقًا قانونيًا مشروعًا تضمنه النصوص المنظمة لقطاع الإعلام، باعتبار أن الإشهار العمومي هو شريان الحياة للصحافة الورقية في الجزائر، كما هو معمول به في معظم دول العالم.
الإعلام في جوهره ليس مشروعًا تجاريًا يبحث عن الربح، بل هو ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية لا يمكن لأي دولة حديثة أن تستغني عنها. فالإعلام الحرّ هو الذي يضيء الطريق أمام المواطن، ويسائل السلطة، ويُسهم في بناء وعي عام راشد. قد لا يحقق أرباحًا مالية، لكنه يوفّر الحياة الكريمة لآلاف العائلات، ويؤدي دورًا لا يُقدّر بثمن في خدمة المجتمع والدولة.
في الجزائر، ما يزال الفهم الحقيقي لوظيفة الإعلام متفاوتًا. فبينما يدرك بعض المسؤولين أن تسيير المجتمع لا يمكن أن يتمّ دون إعلام متنوع وفعّال، ما زال آخرون يتعاملون مع الصحافة المستقلة بريبةٍ غير مبرّرة. غير أن التجربة أثبتت، مرارًا، أن الإعلام الحرّ هو سند الدولة لا خصمها، لأنه يعكس نبض المجتمع، وينقل الحقيقة، ويسهم في كشف الفساد والدفاع عن المؤسسات الوطنية. ولعلّ أبرز الأمثلة على ذلك تلك القضايا الكبرى التي ما كان للرأي العام أن يعرفها لولا الصحافة الجادة، ومنها قضية الـ26 مليار دولار التي فجّرتها إحدى الزميلات، لتذكّر الجميع بأنّ الإعلام الوطني هو الضمانة الأولى للشفافية والمساءلة.
إنّ حرمان المؤشّر من الإشهار العمومي ومن وسائل الدعم لا يمكن قراءته إلا في سياق أوسع يتعلّق بغياب آلية عادلة وشفافة لتوزيع هذه الموارد. فحتى يؤدي الإعلام الوطني رسالته على أكمل وجه، لا بدّ له من بيئة مالية وإدارية تُمكّنه من العمل بحرية واستقلالية، بعيدًا عن أي عراقيل تُقيده أو تدفعه إلى الغياب القسري. إنّ الحاجة اليوم إلى إعلام حرّ ومسؤول لا تقلّ عن الحاجة إلى مدرسة أو مستشفى، لأنّ المجتمعات التي لا تُنصت إلى صحافتها، تفقد بوصلة الإصلاح.
جريدة المؤشّر لم ولن تضع نفسها خارج الإطار الوطني الجامع، فهي ترى دورها جزءًا من المنظومة الإعلامية الوطنية التي تقف إلى جانب الدولة في معركة البناء والتصحيح، وتدعم مؤسساتها في حماية الوطن من الأخطار الداخلية والخارجية. إنّ طموحها بسيط وواضح: أن تكون منبرًا وطنيًا يحمي الحقيقة، ويحترم القارئ، ويقدّم مضمونًا تحليليًا رصينًا بعيدًا عن الإثارة والسطحية.
وإذ تجدّد المؤشّر اليوم طلبها المشروع إلى السلطات العمومية بتمكينها من الاستفادة من الإشهار العمومي، فإنها تفعل ذلك من منطلق حقٍّ دستوريٍّ لا منّةٍ فيه، حتى تتمكّن من الصدور بانتظام وتكوين طاقم صحفي محترف قادر على مواكبة الأحداث وتحليلها بعمق ومسؤولية. فالمواطن الجزائري لم يعد بحاجة إلى من يخبره فقط بما يجري، بل إلى من يساعده على فهم ما يجري ولماذا يجري، وهذه هي الوظيفة الحقيقية للصحافة الوطنية.
لا يوجد إعلام في العالم يمكنه البقاء دون دعمٍ مؤسسيٍّ من الدولة، سواء عبر الإشهار العمومي أو آليات تمويل أخرى. لذلك، فإنّ المؤشّر تدعو إلى مقاربة جديدة في سياسة الإعلام، قائمة على الشفافية، وتكافؤ الفرص، والمساواة بين جميع المنابر الوطنية. لأنّ دعم الصحافة ليس هبةً، بل استثمار في وعي الأمة ومستقبلها، وضمان لاستمرار صوت الجزائر الحرّ الذي لا يُشترى ولا يُكمم.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…