‫الرئيسية‬ الأولى لماذا يُحارَب المدرب الجزائري حين ينجح؟
الأولى - رأي - رياضة - مقالات - ‫‫‫‏‫يومين مضت‬

لماذا يُحارَب المدرب الجزائري حين ينجح؟

لماذا يُحارَب المدرب الجزائري حين ينجح؟
بدأتُ أقتنع أكثر فأكثر بأنّ المدرب الوطني، كلما كان جزائريًا، كلما تصاعدت الأصوات لمهاجمته بشراسة، بل وربما تخوينه أحيانًا، خاصة إذا كان من أبناء الجالية. ويكفي ما نشهده هذه الأيام من عودة قوية للانتقادات الحادة، بل الغريبة في كثير من الأحيان، ضد مجيد بوقرة، المدرب الحالي للفريق الوطني الثاني المشارك في كأس العرب، لتأكيد هذا الانطباع المقلق.

هذه الانتقادات تطال مدربًا جزائريًا شابًا ولاعبًا دوليًا سابقًا، رغم أنّه لم يستفد لا من الوقت الكافي لتحضير فريقه ولا من الوسائل اللازمة لذلك. بل إنّ أول حصة تدريبية اجتمع فيها اللاعبون كاملين كانت قبل مباراة السودان، وهو وقت غير كافٍ إطلاقًا لبناء فريق متجانس. ومع ذلك، استطاع بوقرة، بخبرته وشخصيته، أن يصنع فريقًا أذهل المتابعين، وقدّم أداءً مقنعًا بدأ يُسكت الكثيرين، خاصة أولئك المهووسين بكل ما هو أجنبي، والذين ينطبق عليهم، كما وصفهم أحد السياسيين سابقًا، مصطلح “مركّب النقص الاستعماري”، ذلك المرض المتفشي للأسف لدى بعض الوجوه المتصدّرة لبلاتوهات القنوات.

ولا شيء يفسر هذه الحملة غير المبررة ضد مجيد بوقرة سوى كراهية بعض الجزائريين لأنفسهم، وما تحمله من جلدٍ للذات يجعلهم يرفضون نجاح ابن بلدهم إذا تولى مسؤولية أو حقق إنجازًا، في حين لا يشعرون بأي حرج عندما يكون المدرب أجنبيًا، أزرق العينين، يرون فيه “السيد” الذي يجب احترامه وربما الركوع له. هذا النوع من الخطاب، بكل صراحة، أقرب إلى الحالات المرضية التي تحتاج علاجًا نفسيًا، وليس إلى نقاش رياضي يُفترض أن يكون موضوعيًا ورزينًا.

والأغرب أن تاريخ كرة القدم الجزائرية، وما حققته مع المدربين الوطنيين، واضح وموثق ولا يقبل الجدل. من فريق جبهة التحرير الوطني العريق، الذي شكّله المجاهد الراحل العقيد عمر بوداود من جزائريي المهجر، ورفع راية القضية الوطنية في مختلف بقاع العالم من بكين إلى بلغراد وتونس، إلى محطات أخرى مشرّفة، ورغم ذلك لا يزال إنكار دور المدرب والإطار الجزائري مغروسًا في أذهان بعض من يجرّون مركّب النقص إلى اليوم، وكأنهم يرفضون الاعتراف بالحقائق التاريخية.

المؤسف أيضًا أننا لا نجد من يردع هذا الخطاب أو حتى ينبه إلى خطورته، رغم أنه يجني بوضوح على المدرب الجزائري، خاصة في ظروف مثل تلك التي يعمل فيها بوقرة، بوقت تحضير قصير جدًا لا يسمح ببناء منتخب قوي. ومع ذلك، فإن الأداء الذي قُدّم كان جميلًا بل ومذهلًا في بعض الفترات، وهو ما جعل نجاح مجيد بوقرة مخيفًا لهؤلاء الكارهين، الذين لا يطيقون رؤية أي جزائري ناجح.

وما يقال اليوم عن بوقرة، قيل ويقال عن إطارات جزائرية أخرى في مجالات مختلفة، حققت نجاحات حقيقية لكنها ووجهت بالتهميش أو التحطيم. يكفي أن نتذكر ذلك الإطار الذي ربط مستشفيات الجزائر بنظام رقمي حديث، لكن قوى خفية رفضت تشغيل المشروع، فاختار الرحيل إلى فضاء أرحم. وكم من كفاءة جزائرية لا نعرف عنها شيئًا، أنجزت الكثير لبلدها، لكنها أُجبرت على المغادرة بسبب تفشي عقلية تقديس “القوراي” واحتقار ابن البلد.

صحيح أن الخطاب السياسي الرسمي الذي يكرم الجزائريين ويحترمهم لا غبار عليه، لكن الممارسات على أرض الواقع تقول شيئًا آخر، بل تعاكس هذا الخطاب في كثير من الأحيان. وحتى عندما يُفتح الباب أمام الجزائريين في الخارج، يكون الاختيار في بعض الحالات سيئًا، وكأن هناك نية مبيتة لإفراغ هذا التوجه من مضمونه، بل وربما لإفشاله بطرق “ذكية” وخفية.

في النهاية، مجيد بوقرة جزائري، ومدرب جزائري، اختار أن يضع تجربته وخبرته في خدمة بلده. واحترامه ودعمه ليسا منّة ولا مجاملة، بل واجب أخلاقي ووطني، إذا كنا نؤمن فعلًا بقيمة الكفاءة الوطنية وبقدرة الجزائري على النجاح متى أُتيحت له الفرصة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

ماذا يعني إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود؟

يخرج علينا، مرة أخرى، عبد الإله بن كيران، الإخوانجي المعروف وممثل التيار المطبِّع مع الكيا…