‫الرئيسية‬ الأولى “لوموند” تشتعل.. لماذا يخيفهم الجنرال حسان؟
الأولى - الوطني - مقالات - 27 مايو، 2025

“لوموند” تشتعل.. لماذا يخيفهم الجنرال حسان؟

"لوموند" تشتعل.. لماذا يخيفهم الجنرال حسان؟
أثار تعيين اللواء عبد القادر آيت وعرابي، المعروف بالجنرال حسان، على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي في الجزائر، جدلًا في بعض وسائل الإعلام الفرنسية، لا سيما صحيفة “لوموند” التي وصفت القرار بأنه «عودة إلى الماضي» وربطته بما سمّته «عدم الاستقرار المزمن» داخل أجهزة الاستخبارات الجزائرية.

لكن هذا الطرح السطحي يغفل عن تحليل جوهري وأساسي، وهو أن تعيين الجنرال حسان ليس فقط قرارًا إداريًا أو شكليًا، بل هو اختيار أمني استراتيجي مدروس بعناية فائقة، تمليه طبيعة التحديات المعقدة التي تواجه الجزائر داخليًا وإقليميًا.

يأتي تعيين الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، المعروف بالجنرال حسان، على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي في الجزائر في توقيت بالغ الدقة، يطغى عليه اضطراب جيوسياسي متزايد في الإقليم، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي التي أصبحت ساحة مفتوحة لاختراقات أجنبية متعددة، من بينها تمدد النفوذ العسكري الإسرائيلي عبر بوابة الرباط، وتكثيف التحركات المسلحة على الحدود الجنوبية والشرقية للجزائر.

أمام هذا المشهد المعقد والمركّب، اقتضت طبيعة المرحلة تعزيز القيادة الأمنية بشخصية ذات رصيد ميداني متراكم، قادرة على مواجهة التهديدات المتجددة بحس عملياتي عالٍ وتجربة عميقة في إدارة الأزمات. وهو ما يجسده الجنرال حسان، الذي يُعد من أبرز مهندسي تفكيك شبكات الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، ويمتلك فهماً دقيقاً لطبيعة التهديدات الهجينة، سواء كانت إلكترونية، إعلامية أو ذات خلفية عقائدية متطرفة.

ولعل القول بأن تعيين حسان هو “عودة إلى الحرس القديم” ينمّ عن قراءة سطحية، تتجاهل أن الرجل كان خارج مواقع القرار منذ 2015، ولم يظهر في الواجهة منذ سنوات. عودته اليوم لا تحمل دلالات أيديولوجية أو سياسية، بل تُعبّر عن توجه براغماتي نحو توظيف كفاءة أمنية أثبتت جدارتها في إدارة أزمات سابقة، في ظرف لا يحتمل التجريب أو المراهنة على أسماء جديدة. فالحروب الحديثة لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل بالقدرة على تفكيك الشبكات العابرة، والتعامل مع مصادر التهديد غير التقليدية، وهو ما يستوجب وجود قيادات من طراز عملياتي. ومن هذا المنطلق، بدا تعيين حسان منسجمًا مع التحول في فلسفة العمل الأمني الجزائري، الذي يسعى إلى الجمع بين صلابة القرار ودقة التقدير.

تزامنًا مع هذا، يظهر بوضوح أن قرار تعيين الجنرال حسان ليس معزولًا، بل يأتي ضمن سياق أشمل من إعادة تموضع مؤسساتي للدولة، يشمل تغييرات متزامنة في هياكل أخرى، مثل المديرية العامة للأمن الوطني، ووكالة الوثائق والأمن الخارجي. هذا التحرك يكشف عن إرادة سياسية عليا لتعزيز الانسجام بين الأجهزة السيادية، في إطار تنسيق أفقي وعمودي من شأنه أن يقلّص الفجوات الأمنية، ويُسرّع الاستجابة الميدانية في مواجهة الأخطار المتسارعة. وبهذا المعنى، فإن الجنرال حسان، بفضل شبكته الواسعة داخل المؤسسة العسكرية وخبرته المتراكمة، يمثل شخصية جامعة قادرة على تحقيق هذا الانسجام المطلوب، في مرحلة حاسمة من إعادة رسم الخرائط الإقليمية التي تقتضي حذرًا، دقة، وقيادة ذات ذاكرة ميدانية.

من الجدير بالذكر، أن فرنسا نفسها شهدت تغييرات واضحة ومتلاحقة في قيادة جهاز استخباراتها الخارجية (DGSE) خلال السنوات الأخيرة، دون أن يُنظر إليها من قبل الإعلام الفرنسي على أنها دليل “اضطراب مؤسساتي”، بل صُوِّرت كجزء من عملية “تحديث إستراتيجي” للأمن القومي.

ففي يونيو 2017، تم تعيين برنار إيمييه مديرًا عامًا للـDGSE، حيث بقي في هذا المنصب حتى يناير 2024، وهي فترة شهدت خلالها المؤسسة تحديات أمنية عديدة في أفريقيا والشرق الأوسط.

ومع مطلع 2024، تم تعيين نيكولا ليرنر خلفًا له، بعد أن شغل منصب مدير المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI)، في ما عُدّ حينها تكريسًا للتكامل بين الأجهزة الداخلية والخارجية، وليس انعكاسًا على أزمة داخل البنية الأمنية الفرنسية.

ولم تقف التغييرات عند حدود الأشخاص، بل طالت البنية التنظيمية نفسها، إذ أُعلن في نوفمبر 2024 عن إلغاء “مكتب الشؤون الخاصة”، وهو أحد أكثر المكاتب حساسية وسرية داخل DGSE، في خطوة وُصفت في الإعلام الفرنسي بأنها جزء من عملية “إصلاح هيكلي وتبسيط إداري”.

إن كانت هذه التغييرات في فرنسا تُقدَّم كعلامات تطور وإعادة هيكلة ضرورية، فلماذا تُصوَّر نظيرتها في الجزائر، حين تختار قيادة أمنية ذات تجربة، كعلامة على “ارتباك” أو “عدم استقرار”؟ أليست هذه ازدواجية واضحة في المعايير، تُفرغ التحليل الصحفي من مهنيته، وتُقحمه في منطق سياسي موجه؟

فإذا كانت فرنسا التي تقود عملية “إصلاح أمني” تعتبر ذلك تطورًا مؤسساتيًا، فلماذا تُصوّر قرارات الجزائر بنفس المنطق على أنها “علامات ارتباك”؟ هذا سؤال يجب أن يُطرح على صُنّاع الرأي في باريس.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…