“متلازمة ميديا” تدمر المحضون أمام عجز القضاء الجزائري
يواجه القضاء الجزائري صعوبات كبيرة في التعامل مع حالات متلازمة ميديا، مما يعرض الأطفال لأضرار جسيمة. فالقانون في الجزائر يُعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مالية تتراوح بين 500 إلى 5,000 دينار كل من يتخلف عن تسليم قاصر صدر بشأن حضانته حكم قضائي مشمول بالنفاذ المعجل أو حكم نهائي إلى الشخص الذي له الحق في المطالبة به. يشمل هذا العقاب الأب أو الأم أو أي شخص آخر يرتكب هذا الفعل. كما يعاقب القانون كل من يخطف القاصر من الشخص المكلف بحضانته أو من الأماكن التي وُضع فيها، أو يبعده عن تلك الأماكن، أو يحمل الغير على خطفه أو إبعاده، حتى ولو وقع ذلك دون تحايل أو عنف.
تُشدَّد عقوبة الحبس إلى ثلاث سنوات إذا كان الجاني قد فُقدت منه السلطة الأبوية. يعكس هذا التشديد في العقوبة خطورة الجريمة وحرص القانون على حماية حقوق القاصر وسلامته. ومع ذلك، يُنبه القضاء إلى أن الحبس وحده لا يكفي للتعامل مع هذه الجرائم بشكل كامل، بل يجب أيضًا مراعاة الجانب المرضي للأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال. يجب إلزام المتهمين بالخضوع للعلاج النفسي والتداوي المناسب لضمان عدم تكرار هذه الجرائم وحماية القصر من التعرض لأي أذى مستقبلي. بهذا الشكل، يسعى النظام القضائي إلى تحقيق العدالة الشاملة التي لا تقتصر فقط على العقاب، بل تشمل أيضًا إعادة تأهيل الجاني ومعالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى ارتكاب الجريمة.
“متلازمة ميديا”، وهي ظاهرة نفسية معقدة تتجلى في أعمال عنف شديدة ضد الأبناء من قبل أحد الوالدين، وغالبًا ما تكون الأم. تستند هذه الظاهرة إلى الأسطورة اليونانية لـ”ميديا”، التي قتلت أطفالها انتقامًا من زوجها الخائن. تهدف هذه المقالة إلى استكشاف الجوانب المختلفة لـ”متلازمة ميديا”، بما في ذلك الأسباب النفسية والاجتماعية، الأعراض، وأساليب العلاج الممكنة.
يشمل العلاج النفسي لهذه المتلازمة العلاج السلوكي المعرفي الذي يهدف إلى تغيير الأفكار السلبية والمعتقدات الخاطئة، والعلاج العائلي الذي يركز على تحسين العلاقات داخل الأسرة، والعلاج الدوائي في حالات الاضطرابات النفسية الشديدة. يمكن أن يتضمن الدعم الاجتماعي برامج دعم الأسرة لتوفير الدعم العاطفي والمادي، والمجموعات الداعمة للأشخاص الذين مروا بتجارب مماثلة. في بعض الحالات، قد يكون هناك حاجة لتدخل السلطات القانونية لحماية الأطفال وضمان سلامتهم من خلال إصدار أوامر تقييدية أو اتخاذ إجراءات قانونية.
تجمع “متلازمة ميديا” بين العوامل النفسية والاجتماعية، ويتطلب الفهم العميق لها تحليلًا شاملاً للأسباب المحتملة، بالإضافة إلى تبني أساليب علاج متعددة الجوانب. من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، يمكن تقليل مخاطر حدوث هذه الظاهرة المأساوية وحماية الأطفال من الأذى. على صعيد آخر، يواجه الأطفال في الجزائر تشتتًا وضياعًا في أروقة المحاكم بسبب العداوة بين الأزواج بعد الطلاق. تعرف القضايا الخاصة بالحضانة ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تعالج المحاكم الجزائرية العشرات منها يوميًا بسبب التعسف في استعمال حق الحضانة بعد الطلاق تجاه الأبناء.
من يمنع الأطفال عن أحد الوالدين يعاني غالبًا من “متلازمة ميديا”، والتي تتجلى في سلوكيات عدائية تجاه الأبناء تتسم بالانتقام والتحكم. هذه الظاهرة تسبب ضغوطًا نفسية هائلة على الأطفال وتزيد من معاناتهم في أروقة المحاكم، حيث يجد الكثير من الآباء والأمهات أنفسهم في نزاعات قانونية بتهمة عدم تسليم الطفل، ومخالفة القوانين لتصفية حسابات خلفها الانفصال.
يثير هذا النوع من القضايا الكثير من المشكلات الاجتماعية التي تجعل الابن بين خيارين “أحلاهما مر”، ويجد أحد الوالدين نفسه في قفص الاتهام بسبب عدم مراعاته القوانين التي تنص على احترام حقوق الطفل خلال حضانته. تُجبر الطرف الآخر على رفع دعاوى قضائية بتهمة عدم تسليم المحضون، بموجب إجراء الاستدعاء المباشر أمام المحكمة. ويتم تسجيل عدد كبير من هذه القضايا ويتم طرحها تقريبًا يوميًا، ويكون الانتقام وتصفية الحسابات أحد الأسباب التي تدفع أغلب الأمهات إلى عدم تسليم أطفالهن إلى آبائهم، والتعسف في استغلال حقهن بالحضانة.
تشير الكثير من الحالات إلى أن الأمهات يمنعن الآباء من حق الزيارة انتقامًا منهم بعد الطلاق، سواء بتغيير المسكن العائلي أو السفر إلى دولة أخرى. بالمقابل، يعاني الآباء أيضًا من اتهامات بعدم تسليم أبنائهم، حيث يستغلون حق الزيارة لاحتجاز الأطفال بغرض حمايتهم من بيئة يعتبرونها غير مناسبة أو بدافع الانتقام في حالات الخلع.
العداوة التي يخلفها الطلاق والخلع تولد شعورًا بالانتقام، ويستغل الطفل كوسيلة لذلك، مما ينجر عنه استمرار المتابعات القضائية التي قد لا تنتهي. تظل هذه القضايا مصدر قلق كبير للمجتمع والقضاء على حد سواء، مما يستدعي جهودًا متظافرة لمعالجتها بفعالية وضمان حماية حقوق الأطفال.
في الوقت الحاضر، يعاني القضاء في الجزائر من صعوبة كبيرة في تشخيص حالات مرضية معقدة، خاصة تلك التي تتعلق بالأمور النفسية. تعتمد هذه التحديات على عدة عوامل، منها ضعف التشريعات التي تنظم مثل هذه الحالات، ونقص الخبرات الفنية والعلمية اللازمة للتعامل مع تعقيدات الأمر. فبسبب هذه الأسباب، يظل القضاء غير قادر على إعطاء تقييم دقيق لحالات مرضية معينة، مما يؤدي إلى تأخر في اتخاذ القرارات القضائية الصحيحة والمناسبة لحماية حقوق الأفراد وضمان تلقيهم العلاج اللازم بالشكل الصحيح وفقًا للقوانين المعمول بها. ويبقى المحضون الضحية الأولى والأخيرة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …