‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي الافتتاحية متى تعود الحروف الجزائرية الضائعة إلى أبجديتنا العربية؟
الافتتاحية - 18 ديسمبر، 2024

متى تعود الحروف الجزائرية الضائعة إلى أبجديتنا العربية؟

متى تعود الحروف الجزائرية الضائعة إلى أبجديتنا العربية؟
إن المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر يُفترض أن يكون الجهة المسؤولة عن الحفاظ على ثراء اللغة العربية الجزائرية وتطويرها. ولكن، ما يظهر للعيان هو غياب واضح عن الاجتهاد في استعادة الحروف المميزة التي كانت تشكل جزءًا من الأبجدية الجزائرية القديمة، والتي تعكس تنوع وثراء النطق اللغوي المحلي.

لطالما تميزت اللغة العربية الجزائرية بقدرتها على استيعاب حروف ونطق مميزين، مثل حرف P الذي كان يُكتب باستخدام الباء مع ثلاث نقاط أسفلها، وحرف Gue الذي يُرمز إليه بالقاف مع ثلاث نقاط فوقها، وحرف V الذي يُرمز إليه بالفاء مع ثلاث نقاط فوقها. هذه الحروف كانت تعبر عن النطق الصحيح للأسماء والكلمات الدخيلة أو المحلية، لكنها اختفت بفعل ما يمكن تسميته “التبسيط اللغوي” القادم من المشرق العربي.

على سبيل المثال، ينطق الجزائريون اليوم اسم الرئيس الروسي “بوتين” باستخدام حرف الباء، رغم أن الصوت الحقيقي للحرف يعادل P، مما يعكس اختفاء أدوات لغوية مهمة كانت تعزز وضوح النطق ودقته. ينطبق هذا الأمر أيضًا على أسماء مثل “شنقريحة”، التي فقدت دقتها الصوتية نتيجة غياب الحرف القديم المخصص لنطق Gue.

إن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أيضًا وعاء للثقافة والهوية. الجزائر، بتاريخها الثري وتراثها اللغوي المتعدد، كانت تمتلك نظامًا كتابيًا يعكس تنوعها الثقافي واللغوي. من خلال تجاهل هذه الحروف، لا نفقد فقط جزءًا من هويتنا، بل نُسهم في تسطيح لغتنا لتتماشى مع نمط لغوي شرق أوسطي لا يتناسب دائمًا مع خصوصياتنا.

لغات مثل الفارسية والعراقية حافظت على تطوير أبجدياتها لتضمين حروف جديدة تتناسب مع النطق المحلي. فلماذا لا تتخذ الجزائر خطوة مماثلة؟

المطلوب من المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر أن يعمل على إحياء الأبجدية الجزائرية المميزة، بالتعاون مع شركات تقنية عالمية مثل “مايكروسوفت” لإدراج هذه الحروف في البرمجيات الحاسوبية، وبالتالي إضفاء طابع رسمي وعملي على الأبجدية المحدثة.

يمكن أن تبدأ هذه الجهود بإعادة الحروف القديمة التي كانت مستخدمة، مثل الباء والقاف والفاء المنقوطة، ثم التوسع لاحقًا لتضمين رموز مستوحاة من الأمازيغية أو اللغات الأخرى التي أثرت في اللسان الجزائري عبر العصور.

تاريخ اللغة العربية يشهد على تطورها المستمر، من 16 حرفًا في بداية التدوين إلى 28 حرفًا مع إضافة النقاط والشدة وأدوات التشكيل. إذا اجتهد الأوائل لتطوير اللغة بما يناسب زمانهم، فلماذا يتقاعس المعاصرون عن إدخال تحسينات تلائم واقع الجزائر وثرائها اللغوي؟

كتاب “الإتقان في علوم القرآن” للسيوطي يوضح كيف تم تعريب العديد من الكلمات الأعجمية التي وردت في القرآن الكريم، ما يعكس مرونة اللغة العربية وقدرتها على التكيف مع الواقع. إذا كان هذا الاجتهاد ممكنًا في الماضي، فما المانع من تطوير اللغة الجزائرية العربية اليوم وإضافة إنجاز جديد لها؟

إن الجمود في تطوير الأبجدية الجزائرية ليس خيارًا مستدامًا، بل هو تهديد لثرائنا الثقافي واللغوي. على الهيئات المسؤولة أن تبادر بجدية لاستعادة الحروف الضائعة وتطويرها بما يتناسب مع واقعنا. لا يمكننا أن نكتفي بما يأتي من المشرق العربي، بل يجب أن نبني نظامًا لغويًا يعبر عن هويتنا الجزائرية الفريدة، ويضمن استمرارية هذا التنوع للأجيال القادمة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…