مجلس الوزراء.. الرئيس تبون يرسم ملامح الجزائر الحديثة

مجلس الوزراء.. الرئيس تبون يرسم ملامح الجزائر الحديثة

ترأس رئيس الجمهورية، السيّد عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، اجتماعًا جديدًا لمجلس الوزراء خُصص لمناقشة عدد من الملفات الحيوية المرتبطة بتطوير المنظومة القانونية، وتعزيز الأمن الطرقي، ودعم القطاع الفلاحي، وتحديث الإطار الرقمي للخدمات الإلكترونية. وقد شكّل هذا الاجتماع محطة مفصلية لتجديد الرؤية الحكومية في عدة قطاعات، من خلال توجيهات واضحة وحاسمة صدرت عن رئيس الجمهورية بهدف تسريع الإصلاحات وترسيخ أسس الدولة العصرية ذات الاقتصاد القوي والإدارة الفعالة.

وفي مستهلّ الجلسة، استمع مجلس الوزراء إلى عرض مفصّل قدّمه الوزير الأول حول نشاط الحكومة خلال الأسبوعين الأخيرين، قبل الانتقال إلى دراسة النقاط المدرجة على جدول الأعمال، وعلى رأسها مشروع قانون المرور الجديد الذي وصفه رئيس الجمهورية بالوثيقة “القوية والمتقدمة” لما تضمنه من إجراءات مشددة ترمي إلى الحدّ من إرهاب الطرقات الذي يحصد سنويًا آلاف الأرواح ويتسبب في خسائر مادية واقتصادية ضخمة. وأشاد الرئيس بالمقاربة الصارمة التي جاء بها المشروع، والمبنية على إصلاح شامل للسلسلة المنظمة للمرور، بدءًا من مدارس تعليم السياقة مرورًا بالسائقين والمركبات وصولاً إلى أجهزة الرقابة. واعتبر أن استحداث أكثر من خمسين إجراءً جديدًا ضمن النص، من أصل 193 مادة، هو خطوة جريئة من شأنها أن تغيّر واقع السلامة المرورية في البلاد، شريطة تطبيقها بدقة وإشراف متواصل من الأجهزة المختصة.

ولم يكتفِ الرئيس بالإشادة، بل أصدر تعليمات صارمة لضمان الفعالية التطبيقية للقانون، أهمها تسهيل مهام العدالة والأجهزة الأمنية لمباشرة الإجراءات القضائية دون عوائق، واعتماد أعوان محلفين بسلطة قضائية للتحقيق في الحوادث ومراقبة المركبات بهدف إنهاء التلاعب والتزوير في التقارير التقنية. كما وجه بإدراج فحوصات طبية دورية ومباغتة لسائقي وسائل النقل بمختلف أصنافها للتحقق من قدرتهم الصحية على القيادة، بالإضافة إلى تحديد مسافات السياقة بين السائقين المتناوبين بما يقلّل من مخاطر التعب والإرهاق. كما سيتم تجهيز فرق الشرطة والدرك بمعدات تكنولوجية تسمح بالدفع الإلكتروني للمخالفات والكشف السريع عن تعاطي المخدرات ومراقبة وزن الحمولة، ما يعزز الرقابة الميدانية ويردع المخالفين.

وفي الشقّ الفلاحي، وقف رئيس الجمهورية مطولًا عند ملف ربط المشاريع الفلاحية الكبرى للزراعات الإستراتيجية بالشبكة الكهربائية، حيث قدم وزير الطاقة عرضًا مفصّلاً تضمن أرقامًا غير مسبوقة، أبرزها ربط أكثر من مئة ألف مستثمرة فلاحية بالكهرباء في ظرف قياسي، إضافة إلى تزويد مشاريع استثمارية كبرى بالطاقة، من بينها مشروع «بلدنا» القطري ومجمع «سيفيتال» الجزائري ومشروع «بي أف» الإيطالي، وهو ما اعتبره الرئيس مكسبًا استراتيجيًا يستجيب لأهداف الأمن الغذائي الوطني. ورغم الإنجازات، أصدر الرئيس جملة من الأوامر لتعزيز هذا المسار، على رأسها متابعة مشروع الربط الكهربائي بين شمال البلاد وجنوبها باعتباره حجر زاوية في التنمية الفلاحية والصناعية، إلى جانب توجيه فائض إنتاج الكهرباء نحو الأسواق الأوروبية والإفريقية بهدف خلق قيمة مضافة جديدة للاقتصاد الوطني.

كما أصدر رئيس الجمهورية تعليمات عاجلة لوزير الفلاحة بالتنسيق مع وزير التجارة الخارجية لاستيراد آلات الحصاد ومعدات الزرع، مع السماح باستيراد آلات مستعملة لا تتجاوز خمس سنوات، بما يضمن تسريع وتيرة تطوير الزراعات الإستراتيجية، خصوصًا الذرة والزيوت الغذائية. ووجّه بتحضير مشروع قانون جديد للتوجيه الفلاحي وفق رؤية استشرافية يشارك في صياغتها الخبراء والمتخصصون لتأسيس سياسة فلاحية متماسكة وطويلة المدى.

وفي المجال الرقمي، صادق مجلس الوزراء على مشروع القانون المتعلق بخدمات الثقة للمعاملات الإلكترونية والتعريف الإلكتروني، وهو مشروع يُنتظر أن يفتح الباب أمام عصرنة الإدارة، وتعميم التوقيع الإلكتروني، وتأمين المبادلات الرقمية، بما يساهم في تعزيز الشفافية ومحاربة البيروقراطية. كما صادق المجلس على مشروع مرسوم رئاسي يتعلق بالتصديق على اتفاق المقر بين الجزائر والمنظمة العالمية للملكية الفكرية لفتح مكتب خارجي للمنظمة في الجزائر، وهو مكسب جديد يعزز موقع الجزائر على الساحة الدولية في مجال حماية الملكية الفكرية وتشجيع الابتكار.

ويعكس هذا الاجتماع، بما تضمنه من قرارات وإصلاحات، الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية لدفع ماكينة الدولة نحو فعالية أكبر، وتحديث شامل للقطاعات الأساسية، واستكمال مسار بناء جزائر جديدة تعتمد على التكنولوجيا، وتؤمن أمنها الغذائي، وتوفر إطارًا قانونيًا متقدّمًا يستجيب لتحديات المستقبل.