‫الرئيسية‬ الأولى من “الاستبدال الكبير” إلى “بريكليس”.. خطة فرنسية منظمة لضرب الجزائر وجاليتها

من “الاستبدال الكبير” إلى “بريكليس”.. خطة فرنسية منظمة لضرب الجزائر وجاليتها

من "الاستبدال الكبير" إلى "بريكليس".. خطة فرنسية منظمة لضرب الجزائر وجاليتها
يتضح من خلال ما تكشفه التسريبات الأخيرة وتقارير صحفية فرنسية مستقلة، أن الحملة الإعلامية والسياسية المتواصلة ضد الجزائر والجالية الجزائرية في فرنسا لم تكن مجرد تعبيرات يمينية معزولة أو مواقف متشنجة، بل تندرج ضمن مشروع إيديولوجي متكامل يُدار بشكل خفي تحت اسم رمزي: “بريكليس” (PÉRICLÈS).

هذا الاسم الذي يحمل بعدًا تاريخيًا مستوحى من القائد الأثيني بريكليس، يخفي وراءه اختصارًا خطيرًا: Patriotes Enracinés Résistants Identitaires Chrétiens Libéraux Européens، أي “الوطنيون الجذريون المقاومون الهوياتيون المسيحيون الليبراليون الأوروبيون”. إنه مشروع يهدف إلى إعادة هندسة هوية فرنسا، من خلال طمس الوجود الإسلامي والجزائري تحديدًا، وتوحيد اليمين الكاثوليكي التقليدي مع أقصى اليمين المتطرف حول رؤية استئصالية لمستقبل البلاد.

في قلب هذا المشروع يقف الملياردير بيير-إدوارد ستيرين، وهو شخصية معروفة في الأوساط اليمينية الفرنسية بتمويله المكثف للحملات المناهضة للهجرة، ودعمه الصريح لنظرية “الاستبدال الكبير” التي تروّج لفكرة أن السكان الأصليين في أوروبا يتم “استبدالهم” تدريجيًا بالمهاجرين المسلمين. بحسب تحقيق أجرته صحيفة Mediapart في فبراير 2024، فإن ستيرين ضخّ ما يزيد عن 150 مليون يورو في مشاريع إعلامية وسياسية وجمعوية تدعم الخطاب المعادي للمهاجرين، منها التمويل السخي لقناة CNews التابعة لقطب الإعلام فينسنت بولوري، التي تحولت إلى منصة يومية لإعادة تدوير الأفكار العنصرية والكراهية ضد المسلمين والجزائريين.

وقد مثّل صعود برونو روتايو، السيناتور المحافظ ذو الخلفية الكاثوليكية، الواجهة السياسية الأكثر قابلية للتسويق لهذا المشروع. روتايو الذي لم يكن قبل سنوات يُصنَّف ضمن دائرة الزعماء المحتملين للرئاسة، أصبح فجأة يتصدر المشهد، مدعومًا من نفس الدوائر المالية والإعلامية التي موّلت سابقًا مارين لوبان وإيريك زمور. صحيفة Le Monde في عددها الصادر بتاريخ 12 مارس 2025، أشارت إلى أن روتايو تلقى دعما مباشرا من منتديات يمينية مغلقة تموّلها شركات مثل SmartBox التي يمتلكها ستيرين، إضافة إلى دعم لوجستي عبر شبكات إعلامية إلكترونية تبث من خارج فرنسا للترويج لصورته كمخلّص لـ”الهوية الفرنسية”.

ومن الأمثلة الصارخة على التوظيف الإعلامي لهذا المشروع، بثّ تقارير متكررة على قناة CNews حول “الخطر الإسلامي” و”التحوّل الديموغرافي في الضواحي”، مع تسليط الضوء على أحياء بعينها مثل Saint-Denis وSevran، حيث تتواجد جاليات جزائرية كبيرة، لتُقدَّم للمشاهد الفرنسي كمناطق خارجة عن القانون ومملوءة بـ”الغزو الإسلامي”. كما عمدت مجلة Valeurs Actuelles، المعروفة بخطها العنصري، إلى نشر ملف كامل في ديسمبر 2024 تحت عنوان: “الجزائريون: الدولة داخل الدولة؟”، في محاولة لتأطير المهاجرين الجزائريين كتهديد للتماسك الوطني الفرنسي.

أما على المستوى السياسي، فقد رافق المشروع خطاب متصاعد يستهدف الجزائر كدولة، من خلال تقويض كل أبعاد الشراكة التاريخية التي كانت تربط باريس بالجزائر منذ توقيع اتفاقيات إيفيان. فخلال نقاش في مجلس الشيوخ الفرنسي في نوفمبر 2024، صرّح برونو روتايو قائلاً: “يجب علينا أن نعيد النظر في علاقاتنا مع الأنظمة التي لا تحترم قيم الجمهورية، والجزائر في طليعتها”. هذا التصريح تزامن مع قرارات حكومية غير معلنة لتقليص منح التأشيرات، وتجميد بعض اتفاقيات التعاون الثقافي، وهي خطوات ربطها مراقبون بخطة “فكّ الارتباط” التي يدعو لها صقور “بريكليس”.

ويتجلى بعد هذا المشروع الأعمق في محاولاته لإعادة تشكيل الوعي الجماعي الفرنسي تجاه التاريخ الاستعماري، من خلال تبرئة المرحلة الاستعمارية وإعادة الاعتبار للجنرالات السابقين في حرب الجزائر. في هذا السياق، أعيد مؤخرًا فتح النقاش حول إعادة دفن رفاة الجنرال سالان، أحد قادة منظمة الجيش السري (OAS)، في مقبرة رسمية في الجنوب الفرنسي، ما أثار استياءً كبيرًا في الجزائر ولدى الجاليات المغاربية.

في مواجهة هذا المشروع، يبدو أن الاكتفاء بالمواقف الدبلوماسية التقليدية لم يعد مجديًا. الجزائر مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى بلورة استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد. فمن جهة، ينبغي تعزيز الحضور الإعلامي الجزائري في أوروبا عبر إنشاء شبكات إعلامية ناطقة بالفرنسية تتصدى للتشويه المستمر، ومن جهة أخرى، يجب دعم الجالية الجزائرية في فرنسا قانونيًا وسياسيًا، وتمكينها من أدوات التأثير في الرأي العام، خاصة وأن العديد من شبابها يحملون جنسية فرنسية ولهم حق التصويت والتأثير في مخرجات الانتخابات.

في النهاية، فإن “بريكليس” ليس مجرد مشروع سياسي انتخابي، بل هو مواجهة حضارية تتجاوز جغرافيا فرنسا لتطال الجزائر في رمزيتها وهويتها ومكانتها. إنها معركة لا يمكن حسمها عبر الصمت أو المجاملات، بل عبر المواجهة الواعية، الإعلامية والثقافية والدبلوماسية، التي تدافع عن العدالة التاريخية، وكرامة الجالية، وسيادة الدولة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…