‫الرئيسية‬ في الواجهة أحوال الناس من تونس إلى إيفيان… ولد قابلية يستعيد ملامح كريم بلقاسم الإنسان والقائد
أحوال الناس - الأولى - الوطني - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

من تونس إلى إيفيان… ولد قابلية يستعيد ملامح كريم بلقاسم الإنسان والقائد

من تونس إلى إيفيان… ولد قابلية يستعيد ملامح كريم بلقاسم الإنسان والقائد
قدّم الوزير الأسبق ورئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة (MALG)، دحو ولد قابلية، شهادة مؤثرة عن أحد أبرز وجوه الثورة الجزائرية، كريم بلقاسم، بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لاغتياله في مدينة فرانكفورت الألمانية يوم 18 أكتوبر 1970.

ولد قابلية، الذي جاوز الثانية والتسعين من عمره، عاد بذاكرته إلى سنوات الثورة، ليقدّم رواية نادرة عن علاقته بالشهيد كريم بلقاسم، الذي وصفه بأنه “رجل مبدئي ذو فكر سياسي عميق”، مؤكداً أن ما ميّزه عن غيره من قادة الثورة هو “الأساس الأيديولوجي المتين الذي كان يستند إليه في مواقفه الوطنية”.

وقال الوزير الأسبق في مقابلة بثتها قناة “بيربير تي في” خلال إحياء الذكرى بمقبرة العالية: «عرفت كريم بلقاسم عن قرب في تونس، خلال عملي ضمن لجنة التحضير للمفاوضات. كنتُ أحد المستشارين في وفد إيفيان، وكان هو رئيس الوفد. كان يعود كل مساء بعد انتهاء الجلسات ليجمعنا ويعرض علينا تفاصيل ما جرى في المفاوضات، ثم يستمع إلى آرائنا وملاحظاتنا. كانت تلك اللقاءات اليومية مدرسة حقيقية في الوطنية والنقاش السياسي».

وأوضح ولد قابلية أنه كان يعمل حينها إلى جانب عدد من القادة البارزين مثل قاصدي مرباح، محمد الصديق بن يحيى، أحمد بومنجل ومحمّد يزيد، مشيراً إلى أن ما أثار إعجابه العميق هو طريقة بلقاسم في إدارة النقاشات السياسية والدبلوماسية. وأضاف: «أحتفظ إلى اليوم ببعض الوثائق من تلك الفترة، من بينها محاضر جلسات المفاوضات كاملة. والمفاجأة الكبرى بالنسبة إليّ كانت أن كريم بلقاسم كان المتحدث الأكثر حضورًا وتأثيرًا، رغم أنه كان يحيط به رجال أكفاء على أعلى مستوى».

وحول سرّ هذا الحضور الطاغي، يوضح ولد قابلية: «السبب أنه كان يحمل فكراً أيديولوجياً أصيلاً لا يمتلكه التقنيون. كان يؤمن بالكرامة والسيادة والحرية، ويتحدث من منطلق الثبات على المبادئ، لا من منطلق المناورة السياسية. هذه الروح الثورية النقية هي التي جعلته قائدًا استثنائياً، وجعلت أثره باقياً حتى اليوم».

واستعاد ولد قابلية بعض تفاصيل عمله في وزارة التسليح والاتصالات العامة (MALG)، التي كانت آنذاك الذراع الاستخباراتي للثورة الجزائرية، قائلاً إنه شارك في إعداد الملفات العسكرية والطاقوية التي قُدّمت لوفد التفاوض في إيفيان. وأضاف أن الوزارة كانت تمتلك «شبكة مصادر موثوقة من داخل الإدارة الفرنسية»، من بينها الإطار البارز صلاح بوعكوير، الذي كان يعمل في قطاع الطاقة بفرنسا، وكان يزوّد الثورة الجزائرية بمعلومات دقيقة حول الثروات النفطية، مؤكداً: «صلاح بوعكوير، الذي كان من كبار الإطارات في الحكومة العامة، كان يقدم لنا معلومات حساسة جداً عن قطاع النفط، وقد ساهم بشكل كبير في تقوية موقف الوفد الجزائري خلال مفاوضات إيفيان».

ويؤكد ولد قابلية أن الدور الذي لعبه بوعكوير ما يزال غير معروف بالشكل الكافي في الذاكرة الوطنية، رغم أنه مثّل نموذجاً لـ”الإطار الوطني الذي ساهم في الثورة من موقعه داخل الإدارة الاستعمارية”.

وفي حديثه عن بداياته السياسية، أوضح الوزير الأسبق أنه سمع باسم كريم بلقاسم منذ أوائل الخمسينيات، قبل أن يلتقيه شخصياً، قائلاً: «في عام 1952، كنا في معسكر نعيش أجواء سياسية مشحونة بروح المقاومة، متأثرين بمناضلي المنظمة الخاصة (OS) وحزب الشعب الجزائري. كنت أسمع كثيراً عن أسماء مثل كريم بلقاسم، وبن طوبال، وبوصوف، وعبان رمضان، حتى قبل أن أراهم. وحين اندلعت الثورة، كنا نتابع أخبارهم بشغف من فرنسا حيث كنت أتابع دراستي».

وأضاف أنه بعد إضراب الطلبة الجزائريين سنة 1956، قرر مغادرة فرنسا والالتحاق بالثورة في منطقة معسكر، قبل أن يُستدعى لاحقاً إلى وجدة بطلب من العقيد عبد الحفيظ بوصوف، الذي أمر بإرسال الكفاءات الشابة للمشاركة في تأسيس جهاز الاتصالات والاستخبارات الثورية، المعروف لاحقاً باسم MALG. ومن هناك، يقول ولد قابلية، بدأ في التعرف عن قرب على قادة الثورة الحقيقيين، قبل أن يُلحق بتونس للعمل في مقر الوزارة، حيث تكررت لقاءاته مع كريم بلقاسم وبن طوبال وبوصوف خلال الاجتماعات التحضيرية.

واختتم شهادته بالقول إن كريم بلقاسم كان «من الرجال الذين جسّدوا جوهر الثورة الجزائرية»، مضيفاً: «كان وطنياً حتى النخاع، لا يبحث عن السلطة أو النفوذ، بل عن استقلال حقيقي قائم على الكرامة والسيادة. اغتياله في المنفى كان مأساة، لكنه رحل واقفاً كما عاش».


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية

أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…