من وراء التراجع المصري عن “سوخوي 35″؟
انتشرت خلال الساعات الماضية تصريحات نُسبت إلى مصدر عسكري مصري، تفيد بأن القاهرة تراجعت عن صفقة شراء طائرات “سوخوي 35” الروسية بسبب “عيوب تقنية”، من بينها “الاستهلاك المفرط للطاقة”، و”البصمة الرادارية الكبيرة للطائرة”، إضافة إلى ما وُصف بأنه “رادار غير متطوّر” لا يرقى إلى تطلعات القوات الجوية المصرية.
هذا التصريح أثار استغراب العديد من المراقبين والمتابعين للشأن العسكري، لعدة اعتبارات؛ أبرزها توقيت التصريح، الذي جاء بعد تسلم الجزائر رسميًا عددًا من طائرات “سوخوي 35″، رغم أن مصر كانت قد سبقتها بطلب شراء هذا النوع من المقاتلات الروسية منذ سنوات. السكوت المصري طيلة هذه الفترة، ثم تقديم هذه التبريرات التقنية الآن، يدفع إلى التساؤل حول الخلفيات الحقيقية لهذا التراجع.
الموقع المتخصص “مينا دفاع” سارع إلى الرد على هذه الادعاءات، مؤكدًا أن ما نُسب إلى المصدر العسكري المصري “يفتقد إلى الدقة”. وأوضح الموقع أن رادار الطائرة من نوع Irbis-E يعدّ من بين الأقوى ضمن مقاتلات الجيل الرابع++، ويمنح الطائرة قدرة عالية على رصد وتتبع الأهداف من مسافات بعيدة.
أما ما قيل عن “البصمة الرادارية الكبيرة” للطائرة، فقد فنّده الخبراء، مؤكدين أن “سوخوي 35” ليست طائرة شبحية بالكامل، لكنها تستفيد من تقنيات تقليص البصمة الرادارية، وهي مسألة لا تؤثر فعليًا في قدراتها الهجومية أو الدفاعية، خاصة مع امتلاكها لأنظمة تشويش إلكتروني متقدمة، وصواريخ يصل مداها إلى 300 كلم.
هذا بالضبط ما تخشاه الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وفق بعض المحللين، إذ أن امتلاك مصر لمقاتلة بقدرات هجومية كهذه كان سيمنحها تفوقًا على سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يعدّ اليوم الأبرز في المنطقة.
مصادر متابعة للصفقة ترى أن الأسباب التي دفعت مصر إلى التراجع عن استلام الطائرات ليست تقنية في جوهرها، بل سياسية بامتياز. فمن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد لوّحت بفرض عقوبات بموجب قانون “كاتسا” على أي دولة تبرم صفقات تسليح كبرى مع روسيا، خاصة ما بعد أزمة أوكرانيا وضمّ شبه جزيرة القرم. إلى جانب الضغط الأمريكي، تشير بعض التقارير إلى دور إسرائيلي ضاغط لمنع القاهرة من التزود بطائرات تُعتبر متفوقة من حيث المدى والتسليح على طائرات مثل “رافال” الفرنسية أو “إف-16” الأمريكية، التي تملكها مصر حاليًا.
اللافت أن طائرة “رافال” التي تُعتبر العمود الفقري للقوات الجوية المصرية اليوم، لا تزال محرومة من صواريخ “ميتيور” بعيدة المدى، بسبب اعتراض الولايات المتحدة، كون هذه الصواريخ تحتوي على مكونات أمريكية تمنح واشنطن حق الفيتو على تصديرها. هذه القيود تضع علامات استفهام حول حرية القرار العسكري لمصر في ما يخص تحديث منظومتها الجوية. المثير أيضًا، هو أن هذه “الانتقادات التقنية” لم تُطرح إلا بعد دخول “سوخوي 35” رسميًا الخدمة لدى القوات الجوية الجزائرية. وقد سبق لجريدة “المؤشر” أن تطرّقت في تقارير سابقة إلى تفاصيل الصفقة الجزائرية، وإلى اهتمامها أيضًا بطائرة “سوخوي 57” الشبحية، التي أُطلق عليها من قبل حلف الناتو اسم “Felon” أو “المجرم”.
ردود الفعل المصرية على شبكات التواصل الاجتماعي حينها لم تطعن في خصائص “سوخوي 35″، بل حاولت التقليل من شأن الصفقة في بعدها السياسي، مما يؤكد أن المسألة لا تتعلق بنواقص تقنية، بل بحسابات استراتيجية تتداخل فيها السياسة والدبلوماسية والدفاع.
التجارب الميدانية للطائرة في الحرب الروسية الأوكرانية قدّمت بدورها مؤشرات واضحة حول جاهزية “سوخوي 35” لأداء مهام معقدة في بيئة قتالية حقيقية. ورغم التحديات، سجلت الطائرة أداءً يعتبره خبراء الدفاع ناجحًا، خاصة في المهام بعيدة المدى والتعامل مع أهداف متعددة في الوقت نفسه. ويؤكد عديد المحللين أن روسيا، رغم العقوبات، ما تزال قادرة على تطوير أسلحة نوعية تتفوق على نظيراتها الغربية في مجالات معيّنة، لا سيما في ما يتعلق بالطيران الحربي، حيث أن كثيرًا من الابتكارات الصينية في هذا المجال ترتكز أساسًا على التكنولوجيا الروسية.
من الناحية التقنية الصرفة، تتفوق “سوخوي 35” على “رافال” في مدى الطيران (3500 كلم مقابل 2000 كلم تقريبًا)، وفي الحمولة، وقوة الرادار، وسرعة الطائرة، وحتى في سقف الطيران العملياتي. هذا يجعلها، من منظور تحليلي، أكثر قدرة على فرض معادلات ردع جديدة في المنطقة، وهو ما لا يروق للأطراف الغربية. لذلك، فإن الإصرار على تقديم أسباب “تقنية” لتبرير رفض مصر للطائرة يبدو بعيدًا عن الواقع، خصوصًا أن مصر كانت قد أبرمت الاتفاق واطلعت على المواصفات مسبقًا، ولا يُعقل أن يتم التراجع فجأة بسبب “ملاحظات فنية” لم تُطرح خلال مفاوضات الصفقة.
يبدو واضحًا أن التخلي المصري عن طائرة “سوخوي 35” لم يكن قرارًا مبنيًا على معطيات فنية بحتة، بل جاء نتيجة ضغوط سياسية مركبة، بين التهديد بالعقوبات الأمريكية والتوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. أما الادعاء بأن الطائرة لا ترقى إلى تطلعات القوات الجوية المصرية، فهو قول لا يصمد أمام المقارنة التقنية أو المعطيات الميدانية. بل إن إدخال الجزائر لها إلى الخدمة، قد يدفع بدول أخرى في المنطقة إلى مراجعة حساباتها الدفاعية، ما يُعيد رسم خريطة التفوق الجوي في شمال إفريقيا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…