‫الرئيسية‬ الأولى من يحاسب المخزن على أكاذيبه؟
الأولى - رياضة - مقالات - 12 يوليو، 2025

من يحاسب المخزن على أكاذيبه؟

شريط العنق لبطاقة الملعب لإزالة اسم المغرب
تطفو على السطح مؤشرات حملة إعلامية مغربية ممنهجة ضد الجزائر، حملة لا تخلو من الغرابة في توقيتها وسياقها ومحتواها، ولا يمكن فصلها عن سياق طويل من التوتر الإقليمي المستمر بين الجزائر والمغرب. هذه المرة، كانت شرارة الحملة ما وُصف بـ”حادثة لاصق”، حيث تم تغطية شعار رياضي على أحد مقاعد البدلاء في ملعب مغربي خلال بطولة كرة القدم النسائية الإفريقية. حادثة تنظيمية بسيطة لا ترقى إلى مستوى الجدل، ولا تتطلب تفسيرًا أو تبريرًا. ولكن – وكما جرت العادة – تم توظيفها إعلاميًا بشكل فجّ، وجرى تحميل الجزائر مسؤوليتها وكأنها هي من نظّمت البطولة، وأعطت التعليمات، ووجّهت الأوامر.

من حيث الشكل، هذا الهجوم الإعلامي يعكس حالة هستيرية متكررة. ومن حيث المضمون، فإن استغلال مثل هذا الحادث البسيط لتوجيه اتهامات خطيرة إلى الجزائر، بلغ حد التشكيك في نوايا الدولة الجزائرية، والطعن في قراراتها السيادية، بل واتهام قيادتها السياسية والعسكرية بالتورط في “تعليمات لاصق”، لهو عبث سياسي لا مثيل له في الأعراف الدبلوماسية.

لكن السؤال الجوهري هنا ليس فقط في النية العدائية المتكررة لدى الإعلام المغربي وبعض دوائر القرار المرتبطة بالمخزن، فهذا بات سلوكًا معروفًا ومتوقعًا. بل السؤال الأكبر والأكثر إلحاحًا يتعلق بموقف السلطات الجزائرية الرسمية، التي حافظت، مرة أخرى، على صمت مريب وغير مبرر، أمام حملة واضحة المعالم، مدفوعة وموجّهة، تهدف إلى التشويه الممنهج لصورة الجزائر دوليًا.

لا يمكن لعاقل أن يفصل هذه الحملة المفتعلة عن الأدوات التي تقف خلفها. فالإعلام المغربي الرسمي وشبه الرسمي، كما العشرات من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تتصرف بشكل عفوي أو تلقائي، بل كانت تتحرك ضمن إطار تحريضي مخطط له بعناية. الاتهامات الموجهة للجزائر لم تخرج فقط من أفواه مذيعين ومعلقين، بل تسربت إلى تصريحات سياسية مباشرة، وتحولت إلى خطاب رسمي يُراد له أن يُصدّر خارج الحدود.

وفي هذا السياق، من الجدير التذكير أن الإعلام المغربي لا يتحرك من فراغ، ولا يملك هامش المناورة الذي يتيحه الإعلام الحر والمستقل. بل هو – في غالبه – إعلام موجه، متمركز حول خدمة أهداف الدولة العميقة، ويعمل بتنسيق مباشر مع الأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها مديرية مراقبة التراب الوطني (DST) التي تمارس دورًا مزدوجًا، أمني وإعلامي.

من هنا، يصبح من المشروع التساؤل، هل يمكن لحملة بهذا التنسيق وهذا الاتساع أن تخرج عن السيطرة دون أن تكون هناك أوامر من جهات عليا؟ بالتأكيد لا.

أمام هذا الهجوم السافر، بقيت السلطات الجزائرية، ووزارة الشباب والرياضة، والفيدرالية الجزائرية لكرة القدم، وحتى وزارة الخارجية، في صمت تام. لم يصدر أي توضيح، أو بيان رسمي، أو حتى إشارة إعلامية تفنّد الاتهامات أو تدافع عن سمعة الجزائر ومؤسساتها. هذا الغياب المؤلم ليس فقط مربكًا، بل مثير للقلق، خصوصًا في ظل إدراكنا لأهمية البعد الإعلامي في صناعة الرأي العام الدولي، وخاصة حين يتعلق الأمر بأحداث رياضية ذات انتشار واسع.

للأسف، تم ملء هذا الفراغ من قبل الإعلام المعادي، الذي استغل هذا الصمت ليصنع رواية أحادية الجانب، تبنتها حتى بعض الوسائل الإعلامية في الخليج، الناطقة بالعربية، والتي لا تفرّق بين الخبر المعلّب والتوجيه الدعائي. فصار هناك رأي عام إقليمي يُخدع، ويُقاد ضد الجزائر، مستندًا فقط إلى رواية المخزن التي لم تجد في مواجهتها أي رد رسمي جزائري.

وسط هذا الصمت الرسمي، كان لوسائل التواصل الاجتماعي الجزائرية الدور الأبرز في التصدي للرواية المغربية. نشطاء ومحللون ومتابعون ومواطنون عاديون قدموا دلائل واضحة على أن الحادثة تنظيمية محضة، وأن الشعار المغطى لا علاقة له بأي تعليمات جزائرية، بل هو إجراء داخلي من اللجنة المنظمة المغربية.

ومع ذلك، لا يمكن تحميل منصات التواصل وحدها مسؤولية الدفاع عن السيادة والصورة الوطنية. هذه معركة إعلامية ودبلوماسية تستوجب تضافر جهود الدولة بمؤسساتها، فالإعلام الشعبي مهما كانت قوته، لا يمكن أن يعوّض البيان الرسمي، ولا يمكن أن يكون البديل عن دبلوماسية الردع.

من الواضح أن المغرب بات يتبنى سياسة إعلامية تقوم على خلق العدو وتصدير الأزمة. فمنذ أن قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس 2021، لجأت الرباط إلى تصعيد غير مسبوق على المستويات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية. فكل حادثة، مهما كانت تفاهتها، تُضخم، وتُستخدم كذريعة للهجوم على الجزائر.

فهل يُعقل أن تتحول واقعة “لاصق على كرسي” إلى تهمة موجهة إلى رئيس الجمهورية؟ هل وصل الإفلاس الإعلامي إلى هذا الحد؟

إن استمرار السكوت الجزائري الرسمي على هذه الحملات الممنهجة يحمل في طياته مخاطر استراتيجية. فالصورة الدولية لا تُبنى فقط عبر القرارات السياسية والدبلوماسية، بل من خلال الحضور الإعلامي الذكي والمواجهة المدروسة لكل حملات التشويه والتضليل. والرياضة، بما لها من تأثير واسع، باتت منصة حقيقية لصناعة الرأي العام، بل وأداة جديدة في الحروب الناعمة بين الدول.

لقد آن الأوان لأن تعيد الدولة الجزائرية النظر في مقاربتها الإعلامية، وخاصة في ما يتعلق بالأحداث الخارجية ذات الطابع السيادي. فالحفاظ على الصمت لم يعد سياسة ناجعة، بل صار تواطؤًا سلبيًا مع الرواية المعادية.

إذا لم تواجه الجزائر الأكاذيب بالحقيقة، والاتهامات بالوقائع، فإن خصومها سيواصلون صناعة الأكاذيب وترويجها إلى أن تُصبح “حقيقة” في نظر العالم. الجزائر أكبر من أن تُستفز، نعم. لكن هيبتها وسمعتها تحتاج من يدافع عنها… لا من يصمت عنها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر

تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…