‫الرئيسية‬ الأولى نتالي يونب… من شعارات التحرر إلى صناعة التضليل
الأولى - مقالات - 6 يوليو، 2025

نتالي يونب… من شعارات التحرر إلى صناعة التضليل

نتالي يونب… من شعارات التحرر إلى صناعة التضليل
 برزت شخصيات عديدة ترفع لواء الدفاع عن القضايا الإفريقية، في زمن تعجّ فيه منصات التواصل الاجتماعي بالأصوات المرتفعة والشعارات الرنانة، وتتبنّى خطابًا معاديًا للاستعمار وللهيمنة الغربية. غير أن هذه الأصوات، وعلى رأسها نتالي يونب، لا تخلو من التناقض، بل ومن التضليل أحيانًا، خصوصًا حين تتحول من نقد مشروع لأنظمة استعمارية إلى مهاجمة دول ذات سيادة، ودعم أطراف سياسية دون مساءلتها، بل وشيطنة أطراف أخرى بدعاوى لا تستند إلى وقائع أو حجج موثوقة.

نتالي يونب ناشطة سياسية تحمل الجنسيتين السويسرية والكاميرونية، اشتهرت في السنوات الأخيرة بظهورها المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتناول الأوضاع السياسية في إفريقيا بلغة هجومية، متمردة، ومشحونة بالعاطفة. تبنّت خطابًا مناهضًا لفرنسا، وتقدم نفسها كمناهِضة صلبة لما تسميه “الاستعمار الجديد”، وقد لاقت في ذلك صدى واسعًا في أوساط الشباب الإفريقي الباحث عن رموز “تحررية” في مواجهة القوى الاستعمارية التقليدية. لكن خلف هذا الخطاب الحاد، تبرز تساؤلات جوهرية، ما مدى مصداقية ما تطرحه؟ ومن تخدم مواقفها الحقيقية؟ وهل هي فعلاً مدافعة عن القارة الإفريقية أم مجرّد مؤثرة تستغل القضية لنشر أفكار مشبوهة أو لتصفية حسابات سياسية مع دول بعينها؟

من يتابع خطابات نتالي يونب، يلاحظ بسرعة انحيازها التام وغير المشروط للأنظمة العسكرية في دول الساحل، وتحديدًا في مالي، النيجر، وبوركينا فاسو. تصف هذه الأنظمة بأنها “تحررية” و”شجاعة” لأنها قررت طرد القوات الفرنسية وقطع العلاقات مع باريس. ولا شك أن طرد النفوذ الاستعماري يمثل تطلعًا مشروعًا للشعوب، لكنّ تصوير هذه الأنظمة بوصفها نماذج مثالية دون نقد أو توازن، يطرح علامات استفهام كبيرة حول نوايا هذه الناشطة.

فهذه الأنظمة، رغم مواقفها ضد فرنسا، لم تُظهر إلى الآن أي خطوات ديمقراطية فعلية، بل على العكس، قامت بتقليص الحريات الإعلامية، وقمع المعارضة، وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى. ومع ذلك، تصر نتالي يونب على تجميل صورتها وتبرير أفعالها، وكأن الهدف هو فقط مهاجمة فرنسا، بغضّ النظر عن مآلات السلطة في هذه الدول.

المثير للدهشة، أن نتالي يونب، تحت شعار دعم دول الساحل، لم تتردد في توجيه اتهامات باطلة ضد الجزائر، رغم أن الأخيرة لم تكن جزءًا من الاستعمار الفرنسي الجديد، بل كانت أول من دفع الثمن الغالي من أجل استقلاله، وقدمت الغالي والنفيس دعمًا لحركات التحرر الإفريقية.

ففي أكثر من مقطع فيديو، اتهمت يونب الجزائر بسرقة النفط والغاز من الأراضي المالية، متناسية أن الثروات الطبيعية لا تُستخرج من الأرض كما يُستخرج الماء من صنبور، بل ضمن عقود، واتفاقيات، وسيادة، ومؤسسات وطنية. هذه الادعاءات لا تصمد أمام الواقع الجغرافي والسياسي، ولا توجد أي دلائل ملموسة تدعم ما تدّعيه.

وعندما وقعت حادثة إسقاط طائرة مسيّرة على الحدود الجزائرية-المالية، سارعت يونب إلى اتهام الجزائر بانتهاك السيادة المالية، دون انتظار نتائج التحقيق أو الرجوع إلى بيانات وزارة الدفاع الجزائرية، ما يؤكد أنها تعتمد الإثارة بدل التحليل الموضوعي.

من المفارقات الصارخة أن نتالي يونب، التي ترفع راية “السيادة الإفريقية”، لم تُبدِ أي اهتمام بمصير الكاميرون، بلدها الأصلي، حيث يحكم الرئيس بول بيا منذ أكثر من 40 سنة دون تداول حقيقي للسلطة. كما لم تُعلّق على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب الكاميروني بسبب الفساد وسوء الإدارة، ولم توجه أي انتقاد لوجود شركات أجنبية تنهب الموارد الطبيعية هناك.

فكيف لمن تدّعي الدفاع عن السيادة أن تصمت عن الوضع في بلدها، بينما تنخرط في اتهامات علنية ضد الجزائر دون دليل؟ هذا التناقض يُسقط عنها صفة “المدافعة النزيهة عن إفريقيا”، ويضعها في خانة الانتقائية التي تخدم أجندات مشبوهة.

الجزائر، منذ استقلالها، اتخذت مواقف ثابتة في دعم الشعوب المستعمَرة، واحتضنت حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما تميزت بسياسة خارجية تقوم على مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير، مع احترام سيادة الدول، وهو ما جعلها لاعبًا إقليميًا مهمًا، لكنه غير تابع لأي محور.

هذا الاستقلال في القرار، والإصرار على السيادة، قد لا يعجب بعض الجهات، سواء داخل إفريقيا أو خارجها. ومن هنا، يصبح من المفهوم لماذا تُستهدف الجزائر بخطابات دعائية، ظاهرها “التحرر” وباطنها الطعن في مواقفها السيادية. فهل تكون نتالي يونب إحدى هذه الأدوات؟ سؤال مشروع.

ليس كل من يرفع شعار “مناهضة الاستعمار” صادقًا في نواياه. وليس كل من ينتقد فرنسا أو الغرب يُعدّ بالضرورة مدافعًا عن الحق. فالنضال الحقيقي يتطلب صدقًا في الطرح، وموضوعية في التحليل، ونزاهة في المواقف.

ما تمارسه نتالي يونب في كثير من مقاطعها هو إثارة وتحريض، وليس تحليلاً أو دفاعًا عقلانيًا عن القضايا الإفريقية. بل هي تستعمل المنصة التي تملكها لتصفية حسابات مع دول معينة، دون احترام لتاريخها، أو لحقائق الواقع.

الجزائر، التي تقف في صف الشعوب منذ عقود، لا تستحق أن تُقدَّم على أنها “دولة استعمارية”، ولا أن تُشوه صورتها بهذا الشكل المبتذل.

لقد آن الأوان لتمييز الناشط الحقيقي من المتاجِر بالقضايا، ولحماية الرأي العام الإفريقي من حملات التضليل المقنّعة بشعارات التحرر.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…