‫الرئيسية‬ الأولى هل الجزائر في الطريق نحو إرهاب جديد؟
الأولى - الوطني - مقالات - 21 يوليو، 2025

هل الجزائر في الطريق نحو إرهاب جديد؟

هل الجزائر في الطريق نحو إرهاب جديد؟
تنفق الدولة الجزائرية سنويًا مليارات الدينارات على رعاية الشأن الديني، من بناء المساجد، وتكوين الأئمة، وتنظيم الملتقيات الدينية، ودعم المؤسسات الإسلامية. ومع ذلك، لا يزال الفكر التكفيري يتغلغل في عقول عدد من الشباب، وخاصة أولئك الذين تربّوا على خطاب كراهية المرأة، وتحريم وجودها الطبيعي في الحياة العامة، وصولًا إلى اعتبارها سببًا للفساد الأخلاقي والديني.

في هذا الواقع المقلق، يُطرح سؤال مشروع، هل يؤدي هذا الإنفاق الرسمي، عن قصد أو غفلة، إلى إنتاج آلاف من الشباب المشحونين بأفكار التكفير والتطرّف؟ ولماذا تبدو مؤسسات الدولة الدينية، من وزارة الشؤون الدينية إلى المجلس الإسلامي الأعلى، عاجزة عن مواجهة هذا التيار، بل في كثير من الأحيان، غائبة تمامًا عن الرد أو المبادرة؟ فما جدوى كل تلك الأموال إن كانت النتيجة مزيدًا من التطرف، وتغذية لخطاب يدفع المجتمع شيئًا فشيئًا نحو حافة عنف جديد؟

المؤشر الأخطر اليوم هو انتقال التيارات التكفيرية إلى استلهام تجربة طالبان، التي تحرّم صوت المرأة ووجهها، وتفرض عليها البقاء في المنزل دون مبرر أو إذن زوجي، في صورة من صور الاستعباد الممنهج. وإذا كانت هذه الممارسات قد تجد شرعنة في مجتمعات غارقة في مفاهيم قبلية، حيث يُعتبر زواج الأطفال والمثلية وقائع مقبولة اجتماعيًا، فإن الجزائر ليست كذلك. الجزائر التي أنجبت المجاهدات، والشهيدات، والمناضلات، لا يمكن أن تقبل بهذا النكوص الحضاري. من جميلة بوحيرد إلى حسيبة بن بوعلي، سطّرت المرأة الجزائرية تاريخًا من البطولة لا يمكن محوه أو تجاوزه.

غير أن منابر التكفير لا تهدأ، والشباب الذي يعيش فراغًا فكريًا بات فريسة سهلة. البعض منهم أصبح يطلق فتاوى على وسائل التواصل الاجتماعي، دون علم أو مؤهلات، يحرّم كل شيء، من الموسيقى إلى التعليم، ومن التكنولوجيا إلى العمل في الدولة. وتبدأ الكارثة حين تُمارَس الفتوى دون رقابة، فيتحوّل الدين إلى أداة قمع، لا وسيلة هداية، ويُستَخدَم لتبرير الإقصاء والتكفير وحتى القتل.

الغريب أن مؤسساتنا الدينية لا تواجه هذا الانفلات، رغم أنه يقع في صلب اختصاصها، وكأنها لا ترى أن هذا التمدد الصامت للتطرف أخطر بكثير من أي تهديد خارجي. حين يُحرَّم استعمال الثلاجة أو جهاز التكييف، أو يُكفَّر من يعمل في مؤسسة حكومية، أو تُشيطن المرأة لمجرد ظهورها في الفضاء العام، فنحن لا نتحدث عن اجتهادات دينية، بل عن انهيار اجتماعي مقنّن باسم الدين. أين هم المتخصصون؟ أين هم الأئمة الرسميون الذين يتقاضون أجورًا من خزينة الدولة؟ أين هو خطاب العقل والعلم والاعتدال؟

لا أحد ينسى كيف بدأ الإرهاب في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي. لم يأت فجأة. بدأ بالتكفير، ثم تحوّل إلى سلاح، ثم إلى مجازر جماعية طالت الأبرياء. واليوم، بوادر المشهد تتكرر، نفس الخطاب، نفس الوجوه الغاضبة، ونفس الكراهية تجاه الدولة والمجتمع والمرأة وكل مظهر من مظاهر الحياة.

إن شبابًا يعتنق هذه الأفكار هو جيل مبرمج على الحقد، فاقد للوعي، ومفتون بخطاب لا يرى في الوطن شيئًا يُحَبّ، بل مشروعًا يجب هدمه. والمقلق أكثر أن هذا الخطاب بدأ يجد موطئ قدم في الشوارع، والمدارس، والمساجد، والمنصات الإلكترونية. ما لم تتصد الدولة لهذا الزحف، بكل أدواتها القانونية والفكرية، فإننا نعيد استنساخ حقبة كنا نظن أننا تجاوزناها.

أتذكر ذلك الشاب في ولاية باتنة، الذي ذبح والدته لأنها لا ترتدي الحجاب، بعد أن أُقنع بأنّها “كافرة”. هذه الحادثة ليست مجرد جريمة، بل جرس إنذار. فحين يُغسَل دماغ شاب إلى درجة قتله لأمه، فقط لأنها اختارت نمط حياة مختلف، فإننا نكون أمام انهيار تام للقيم الإنسانية والدينية.

نحن لا نطالب بتقييد حرية التعبير أو مناقشة الدين، بل بالعكس، نطالب بأن يكون الدين نفسه في منأى عن العبث، وأن تُعاد له قدسيته من خلال الفهم الصحيح، لا من خلال تسييسه أو تركه رهينة بين أيدي المتشددين. فهل من مواجهة جادّة قبل فوات الأوان؟ أم ننتظر حتى يصبح سفك الدماء “وجهة نظر” أخرى في تأويل الدين؟ إذا لم تتحرك الدولة، بكل مؤسساتها، فإن الاستمرار في صرف المليارات على الشأن الديني سيكون مجرد تبديد للمال العام، لا أقل ولا أكثر.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…