هل حان وقت تغيير العملة في الجزائر؟
الرئيس عبد المجيد تبون قالها صراحة: هناك من يمتلك شقة من ثلاث غرف، مكدسة بالأموال، وهذا وضع كارثي حقيقي يهدد الاقتصاد الوطني. وأكد في أكثر من مناسبة عزمه على القضاء على الاقتصاد الموازي. فإذا كانت الدول الأوروبية، على سبيل المثال، لا تسمح لأي مواطن بحيازة أكثر من 9 آلاف يورو نقدًا دون أن يتعرض للتحقيق والمساءلة، فكيف للجزائر أن تتسامح مع هذا الكم الهائل من الأموال المكدسة خارج النظام المصرفي؟
الرئيس تبون أشار في خطاباته المتكررة إلى أن من يملك أموالًا ضخمة يمكنه، بدلًا من تكديسها، أن يستثمرها في فتح بنوك خاصة يديرها بنفسه، ويوظفها في دعم التنمية الوطنية. لكن كل هذه النداءات لم تجد آذانًا صاغية. وهذا يعود إلى عدة عوامل، من بينها الفتاوى المتشددة التي تصدرها الحركات الدينية المتطرفة في الجزائر، والتي تحرّم التعامل مع النظام المصرفي – وهو أحد أخطر أشكال التشويه الديني في الساحة العربية والإسلامية فيما يخص فهم الاقتصاد الشرعي.
ويضاف إلى ذلك غياب الثقة في القطاع المالي، وتاريخ طويل من عادة تكديس الأموال داخل المجتمع، إلى جانب المستوى الضعيف لخدمات البنوك الجزائرية، والتي لا تزال – في مجملها – دون تطلعات المواطن، رغم الوعود بالرقمنة الكاملة لهذا القطاع في المستقبل القريب.
قضية الأموال المكنوزة خارج البنوك تشكّل مصدر قلق حقيقي للرئيس تبون، الذي لا يزال يتعامل معها بلينٍ في الخطاب، ويناشد أصحاب هذه الثروات لإخراجها من الظل إلى النور. لكن هذا الخطاب “الناعم” قد لا يستمر طويلًا، إذ تُظهر نبرة الرئيس أن مرحلة الحسم تقترب، وأن الدولة قد تلجأ قريبًا إلى خطوات جريئة، منها تغيير العملة كليًا، أو البدء بإصلاح تدريجي كإلغاء الأوراق النقدية المتكررة من نفس القيمة، أو سحب ورقة 2000 دينار، ومنع طباعة الأوراق ذات القيم المالية العالية، التي تساهم مباشرة في ظاهرة الاكتناز وتُضعف الدورة الاقتصادية.
هناك العديد من الإجراءات الممكنة لتصحيح الوضع المالي، وتجفيف “الغرف” المليئة بالنقد الجزائري المكدّس خارج النظام الرسمي. لكن مثل هذه العملية ليست بسيطة، وتتطلب تخطيطًا دقيقًا ودراسات معمقة، بما في ذلك تحديد الحد الأقصى القانوني المسموح للمواطنين بحمله من السيولة النقدية.
الرئيس تبون، رغم هدوئه في توصيف الظاهرة، قدّم مثالًا خطيرًا، وجود شقق مليئة بالأموال المكدسة يشكّل تهديدًا مباشرًا ليس فقط للاقتصاد الوطني، بل للأمن القومي ذاته. فالكميات الهائلة من الأموال السائلة، التي لا يمكن تتبعها، قادرة على تمويل ميليشيات أو مجموعات مافياوية مسلحة، وقد تُستغل لضرب استقرار الجزائر. بهذا المعنى، فإن ما جاء في خطاب الرئيس لا يمكن أن يُقرأ كمجرد ملاحظة عابرة، بل كتحذير أولي ورسالة مشفرة مفادها أن الدولة مقبلة على إجراءات حاسمة.
وفي ضوء ما أكده الرئيس بأن الوضع الاقتصادي للجزائر “مريح”، فإن هذا هو الوقت المناسب للبدء في إصلاح جريء، مثل تغيير العملة، قبل أن تأتي لحظة اضطرار مؤلمة تفرضها أزمات مستقبلية. فالإصلاح في زمن الاستقرار أذكى وأقل تكلفة بكثير من الإصلاح تحت الضغط.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…