هل يدفع ترامب العالم إلى الحرب؟
تصل زيارة دونالد ترامب إلى آسيا، مبتدئة باليابان ثم بكوريا الجنوبية، في سياق سياسي واضح المعالم؛ إذ يسعى الرئيس الأمريكي السابق إلى إقناع حلفاء واشنطن التقليديين بالتخلي عن شراء الطاقة الروسية من غاز وبترول، ولو كان ذلك على حساب مصالحهم الحيوية. فاليابان وكوريا الجنوبية تعانيان أصلًا هشاشة في الأمن الطاقوي، ومع ذلك قد يدفعهما الضغط الأمريكي، بما تملكه واشنطن من أوراق قوة عسكرية في المنطقة، إلى الرضوخ للمطالب الأمريكية رغم التكلفة.
ترامب لا يقوم بجولة مجاملة، بل يتحرك وفق رؤية تهدف إلى عزل روسيا وتدمير أسواقها الطاقوية. لهذا السبب يحاول أيضًا الضغط على الصين والهند لوقف استيراد النفط والغاز الروسيين. وعلى الجانب الآخر، يستعد لفتح جبهة جديدة مع فنزويلا في محاولة لوضع اليد على أكبر احتياطي نفطي في العالم، لكنه صُدم بالدعم العسكري الروسي والصيني لكراكاس، وهو دعم يهدف بوضوح إلى إجهاض أي محاولة أمريكية لزعزعة سيادة فنزويلا.
ومع هذا كله، وجد ترامب نفسه أمام إعلان روسي خطير يتعلق بنجاح تجربة صاروخ كروز يعمل بمحرك نووي. وقد ردّ بتصريحات مرتبكة قائلاً إن على موسكو وقف الحرب في أوكرانيا، قبل أن يتحدث عن وجود غواصات أمريكية قرب السواحل الروسية، وكأن روسيا لا تمتلك صواريخ نووية أو قدرات ردع تضاهي نظيرتها الأمريكية، بل تتفوق عليها في بعض المجالات.
السياسة التي ينتهجها ترامب تجاه روسيا والصين تفتح أمام الولايات المتحدة أبواب مواجهة واسعة، وتذكّره بأن بلاده خاضت حروبًا عديدة منذ تأسيسها ولم تخرج منتصرة من معظمها. فقد هربت من فيتنام، ثم من أفغانستان، وظلّت تتعامل – كما تفعل إسرائيل – باحتقار مع الدول التي لا تملك قدرات دفاعية قوية. ومع ذلك، لقّنها فلاحو فيتنام درسًا تاريخيًا، وقد تعيد فنزويلا السيناريو ذاته أمام الغطرسة الأمريكية التي تزج بحاملة طائرات إلى مياهها الإقليمية بذريعة محاربة المخدرات، وتلوّح بتهديد كولومبيا، ولا تتسامح مع الأنظمة الوطنية التي تدافع عن سيادة شعوبها وترفض الخضوع.
ترامب كشف عن وجهه الحقيقي وبدأ في خطوات فكّ التحالف الروسي–الصيني، ومحاولة عزل موسكو من خلال الضغط على الدول لوقف شراء الغاز والبترول الروسي، معتبرًا أن هذا هو المسار الأمثل لإجبارها على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
لكن الحقيقة أن هدف ترامب ليس السلام، كما يروّج، بل الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي بأي ثمن. فهو يرفض شكل العالم المتعدد الأقطاب، ويحاول وقف التحولات الجيوسياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة، خاصة التعاون الروسي–الصيني وقرار عدد من الدول التخلي تدريجيًا عن هيمنة الدولار الذي تمنح طباعته الأمريكية مليارات الدولارات دون مقابل، وتتيح لها مراقبة التبادلات الدولية، خصوصًا المتعلقة بالسلاح.
ترامب يريد استعادة عالم أحادي القطب تحت القيادة الأمريكية، في وقت أعلن فيه الرئيس الصيني أن العالم يقف عند “مفترق طرق بين السلام والحرب”. ويبدو أن ترامب يختار الخيار الثاني، مهما ادّعى عكس ذلك في خطاباته العلنية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
واشنطن تبحث عن البقاء… بالحرب!
تُظهر التحولات الجيوسياسية الأخيرة أن الولايات المتحدة، القوة الأكثر نفوذًا منذ نهاية الحر…







