‫الرئيسية‬ الأولى هل يراجع المروك مقاربته للحكم الذاتي بعد الصدمة الدبلوماسية؟
الأولى - الحدث - الدولي - مقالات - ‫‫‫‏‫يومين مضت‬

هل يراجع المروك مقاربته للحكم الذاتي بعد الصدمة الدبلوماسية؟

هل يراجع المروك مقاربته للحكم الذاتي بعد الصدمة الدبلوماسية؟
تعيش الرباط في الأسابيع الأخيرة حالة ارتباك سياسي لافت، عقب المستجدات المتعلقة بملف الصحراء الغربية، حيث بدأ الخطاب الرسمي للمروك يعيد تعريف مفهوم الحكم الذاتي بصيغ جديدة لا تنسجم مع المعايير المتعارف عليها في النظم الدستورية المقارنة. ويبدو أن السلطة المركزية تحاول استدراك التبعات السياسية والدبلوماسية لاتفاقيات السنوات الأخيرة، عبر تقديم شروحات توصف داخل الأوساط القانونية بأنها تفتقر إلى التماسك الدستوري والمؤسساتي.

الحكم الذاتي، بمفهومه الدقيق، يعني نقل السلطة التنفيذية والتشريعية والإدارية إلى هيئات محلية منتخبة مع احتفاظ الدولة المركزية بصلاحيات السيادة الكبرى مثل الدفاع والخارجية والعملة. هذا النموذج مطبّق في دول عدّة مثل إسبانيا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا، ويستند إلى بنى دستورية واضحة وقواعد فيدرالية منصوص عليها.

في المقابل، الدستور المروكي بصيغته الحالية لا يتيح قيام نظام حكم ذاتي بالمعنى الفيدرالي الحقيقي، بل يؤسس فقط لتنظيم جهوي متقدم، دون نقل شامل للسلطات أو تفويض كامل للقرار الإداري المحلي. وبالتالي فإن الحديث عن تكييف الحكم الذاتي من خلال قوانين خاصة بالصحراء الغربية، دون مراجعة شاملة للدستور، يبدو من الناحية المؤسسية محل إشكال جوهري.

في حال قبول جبهة البوليساريو بمقترح الحكم الذاتي، فإن ذلك سيفرض تفويضاً كاملاً للسلطات المحلية المنتخبة في الإقليم في ما يتعلق بالتشريع، وإدارة الموارد، والملكية العقارية، وإدارة الأمن الداخلي. أما الدولة المركزية فستحتفظ حصراً بملفات الدفاع والسياسة الخارجية والرموز السيادية. وهذا التصور لا يمكن تمريره أو تثبيته دون تحول دستوري شامل يكرّس نموذجاً فيدرالياً واضح المعالم.

يتخوف مراقبون في الرباط من أن يؤدي الدفع نحو حكم ذاتي غير مكتمل المضمون إلى نتيجة عكسية، إذ قد تتحول المسألة من حل سياسي إلى مأزق قانوني، خصوصاً إذا تم تقديم تصور لا ينسجم مع المبادئ المتعارف عليها دولياً ولا مع مبادئ تقرير المصير، التي تشكل أساس المقاربة الأممية لملف الصحراء الغربية منذ عقود.

التجربة المقارنة في الأنظمة الفيدرالية تؤكد أن الحكم الذاتي ليس مجرد صيغة إدارية قابلة للتعديل حسب الظروف السياسية، بل هو هندسة دستورية كاملة تتطلب بنية قانونية صلبة، ومحكمة دستورية مستقلة، وآليات واضحة لتوزيع الصلاحيات وفض النزاعات بين المركز والإقليم. وفي ظل غياب هذه المرتكزات، ستظل الرباط أمام معادلة معقدة لا يمكن حلها بالخطاب السياسي وحده، بل بإصلاحات دستورية عميقة إذا كانت جادة في تفعيل الحكم الذاتي كصيغة نهائية.

يبدو أن المروك بدأ يدرك محددات هذه الصيغة وحدود المناورة القانونية المتاحة، لكن يبقى متغير الإرادة السياسية هو العامل الحاسم في الانتقال من طرح سياسي إلى إطار دستوري قابل للتطبيق. وعليه، فإن الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كان المروك بصدد مراجعة هادئة لمشروع الحكم الذاتي، أم أنه سيتشبث بصيغة رمزية قد تضعه أمام تعقيدات دولية وقانونية أكبر من المتوقع.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

واشنطن تفاجئ الحلفاء: استراتيجية أمنية جديدة ترجّ أوروبا وتهدد مستقبل الناتو

تسبّب غياب وزير الخارجية الأمريكي عن اجتماع حلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع في موجة واسعة من …