هل يُغامر ترامب بالاقتصاد العالمي؟
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن حربه التجارية على أغلب دول العالم، بدءًا من الصين مرورًا بالاتحاد الأوروبي، ووصولًا إلى العالم العربي، كندا، أمريكا اللاتينية، بل وحتى جزيرة نائية في المحيط المتجمد الجنوبي لا يسكنها إلا البطاريق، ما دفع رئيس وزراء أستراليا إلى السخرية من جهل ترامب بجغرافيا العالم.
ردود الأفعال على قرارات ترامب بفرض الرسوم الجمركية لم تتأخر. فقد فرضت الصين بدورها رسومًا بنسبة 84% على السلع المستوردة من الولايات المتحدة، بينما صوّت الاتحاد الأوروبي لصالح فرض رسوم بنسبة 25% على المنتجات الأمريكية، ردًا على تلك السياسات التصعيدية. كما بدأ الاتحاد الأوروبي في رصد المنتجات الأمريكية التي ستُدرج ضمن الرسوم الجديدة، مع تركيز واضح على السلع المنتجة في الولايات التي يسيطر عليها الحزب الجمهوري، ما يشكل تدخلًا سياسيًا مباشرًا في الشأن الأمريكي الداخلي ومحاولة للتأثير عليه، في خطوة لا يُعرف بعد كيف سيردّ عليها ترامب.
بيان المفوضية الأوروبية أوضح أن هذه الرسوم ستدخل حيز التنفيذ ابتداءً من 15 مايو المقبل، في انتظار أي تواصل من جانب واشنطن للتفاوض حول الخلافات التجارية عبر الأطلسي.
الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد قوة اقتصادية وتجارية عالمية، يلوّح بخيار التحالف مع الصين لمواجهة السياسات الأمريكية، وهو ما يُقلق إدارة ترامب بشدة، لأن تحالفًا من هذا النوع قد يُلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الأمريكي.
في موازاة ذلك، تشهد الأسواق الأوروبية حملة شعبية واسعة تدعو إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية، في محاولة للضغط الشعبي بالتوازي مع الضغط الرسمي. لكن ترامب لا يعترف بالاتحاد الأوروبي ككيان موحد، ويفضّل التعامل الثنائي المباشر مع حكومات الدول الأعضاء. وقد سبق لوزير خارجيته أن رفض استقبال كايا كلاس، ممثلة السياسة الخارجية والأمن الأوروبي المشترك، في حادثة اعتبرها الأوروبيون صدمة دبلوماسية.
لكن في الملف التجاري، تبقى صلاحية التفاوض من اختصاص المفوضية الأوروبية، لا الحكومات الوطنية، مما يدفع رئيس المفوضية إلى الأمل في فتح قنوات اتصال مع واشنطن لتدارك الأزمة قبل تفاقمها.
من جهتها، كانت الصين قد استعدت منذ سنوات لمثل هذه السيناريوهات، عبر إصلاحات داخلية لتعزيز الاستهلاك المحلي، مستفيدة من قدراتها الشرائية الهائلة. وهي تملك سوقًا جذّابة تسعى كل القوى الاقتصادية العالمية، بما فيها أمريكا، لكسب ودّها.
الشركات الأمريكية التي تنتج في الصين، مثل “آبل”، باتت مهددة بالإفلاس إذا فرضت واشنطن رسومًا تصل إلى 104% على المنتجات الصينية، على غرار هواتف “آيفون”. الأمر ذاته حدث مع شركات أوروبية كبرى مثل “بي إم دبليو” و”فولكسفاغن”، التي تصنع سيارات كهربائية في الصين وتصدّرها إلى أوروبا، ففرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية بنسبة 30% عليها، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها وتراجع المبيعات، خصوصًا في السوق الألمانية. ولا تزال المفاوضات بين بروكسل وبكين تراوح مكانها، وهو ما يفسر ربما رفض الرئيس الصيني الحضور إلى بروكسل للاحتفال بخمسينية العلاقات الصينية–الأوروبية.
بهذا، يكون ترامب قد فتح أبواب جهنم على نفسه وعلى الاقتصاد العالمي، الذي يواجه مخاطر الركود وارتفاع التضخم واضطرابات في سلاسل الإمداد. فهل سيتراجع عن هذه السياسات؟ إلى حد الآن، قام بتجميد قراراته لمدة 90 يومًا، لكن المستقبل وحده كفيل بالكشف عما سيحدث لاحقًا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…