واشنطن تفاجئ الحلفاء: استراتيجية أمنية جديدة ترجّ أوروبا وتهدد مستقبل الناتو
تسبّب غياب وزير الخارجية الأمريكي عن اجتماع حلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع في موجة واسعة من التأويلات داخل الإعلام الغربي، كما دفع منصّات التواصل إلى التساؤل حول خلفيات هذا الغياب في توقيت شديد الحساسية. وجاء بيان الأمن القومي الأميركي ليزيد من حدّة الجدل، بعدما تضمّن أولوية لملف إعادة ضبط العلاقات مع روسيا، وهو ما اعتُبر تحولاً استراتيجياً غير مألوف بالنسبة للدول الأوروبية.
وتعزّزت موجة القلق الأوروبي، وفق ما نقلته مصادر دبلوماسية، بعد تداول معلومات حول إبلاغ واشنطن لشركائها بأن انخراطها العسكري في الحلف الأطلسي سيشهد إعادة تقييم تدريجية، وأن على أوروبا الاستعداد لتحمّل أعباء أمنها الدفاعي بشكل مستقل. هذا الطرح، حتى وإن لم يُعلن رسمياً بصيغته النهائية، أعاد إلى الواجهة التصورات التي روّج لها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن خفض الالتزامات الدفاعية تجاه أوروبا.
السياق الأوسع لهذا التحوّل يرتبط مباشرة بالحرب في أوكرانيا. فبعد عامين من المواجهة المفتوحة مع روسيا، بات الخطاب الأمريكي أكثر براغماتية إزاء جدوى استمرار الاستنزاف العسكري. المؤشرات الدبلوماسية الأخيرة توحي بأن واشنطن لم تعد ترى في خيار الإطالة المستمرة للنزاع مصلحة استراتيجية، وأن نافذة التسوية السياسية قد تعود إلى الواجهة كمسار اضطراري، لا سيما مع إدراكها لقدرات موسكو الاقتصادية والعسكرية ومخاطر التصعيد المباشر.
إلى جانب ذلك، تتصدّر الصين اليوم سلم الانشغالات الأمنية والاستراتيجية في واشنطن، وهي النقطة التي تُفسّر إعادة ترتيب الأولويات الأميركية. فالمنافسة مع بكين لم تعد تُقدَّم كصراع نفوذ تقليدي، بل كمواجهة كبرى على قيادة النظام الدولي، وهو ما يجعل الملف الأوروبي بالنسبة لصانعي القرار في واشنطن أقل أولوية مقارنة بالتهديدات المرتبطة بآسيا والمحيط الهادئ.
هذا التحوّل هو أيضاً ما يفسّر التسريبات المتعلقة بمحادثات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتي عكست تخوّف باريس من احتمالية تغيّر التموضع الأميركي. وتعكس الزيارة الأخيرة لماكرون إلى الصين محاولة أوروبية لإعادة التوازن في منظومة التحالفات، على الرغم من الخطاب الإعلامي الفرنسي المتشدّد تجاه بكين.
نحن أمام لحظة فارقة في إعادة تشكيل التوازنات الدولية؛ أوروبا تحديداً تبدو الأكثر عرضة للخسارة الاستراتيجية إذا ما ثبتت ملامح الانسحاب الأميركي من موقع الضامن الأمني. فالقارة التي امتنعت لعقود عن بناء استقلال استراتيجي حقيقي، واكتفت بدور التابع ضمن المعادلة الأطلسية، تجد نفسها اليوم أمام مراجعة مؤلمة لتأخرها في تشكيل كتلة قوة ذاتية.
هذا الواقع كان قد حذّر منه سياسيون أوروبيون مبكراً، من بينهم رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر، الذي دعا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية إلى الحوار المباشر مع موسكو باعتبارها جاراً وشريكاً لا يمكن عزله، محذّراً من ترك أمن القارة رهينة حسابات أميركية متغيّرة. اليوم، وبين التحوّل الأميركي والتردد الأوروبي، تبدو القارة العجوز أمام منعطف استراتيجي يتطلب إعادة تعريف موقعها ودورها داخل النظام العالمي الآخذ في التشكل.
مرتبط
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
هل يراجع المروك مقاربته للحكم الذاتي بعد الصدمة الدبلوماسية؟
المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر
بن كيران يبرر خيارات المخزن الإقليمية!
هل يراجع المروك مقاربته للحكم الذاتي بعد الصدمة الدبلوماسية؟
تعيش الرباط في الأسابيع الأخيرة حالة ارتباك سياسي لافت، عقب المستجدات المتعلقة بملف الصحرا…
أحوال الناس
وزارة السكن: “1.1 مليون مكتتب سجّلوا في عدل 3”
قالت وزارة السكن والعمران والمدينة، مساء الأربعاء، إنّ “1.1 مليون مكتتب سجّلوا أنفسهم في …






